لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ} (80)

سخَّر الله - سبحانه - لداود الحديد وألانه في يده ، فكان ينسج الدروع ، قال تعالى :

{ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ } [ سبأ :10 ] ليتحصن من السهام في الحروب ، قال تعالى : { وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ } [ سبأ :11 ] وأحْكِمْ الصنعة وأوثِقْ المسامير . . . ولكن لما قصدته سِهامُ التقدير ما أصابت إلا حدقَتَه حين نظر إلى امرأة أوريا - من غير قصدٍ - فكان ما كان .

ولقد خلا ذلك اليوم ، وأغلق على نَفْسه بابَ البيت ، وأخذ يصلي ساعةً ، ويقرأ التوراة مرةً ، والزبور أخرى ، حتى يمضي وينتهي ذلك اليوم بالسلامة . وكان قد أُوحِيَ إليه أنَّه يومُ فتنةٍ ، فأَمَرَ الحُجَّابَ والبواب ألا يُؤْذَنَ عليه أَحَدٌ ، فَوَقَعَ مِنْ كَوَّةِ البيتِ طيرٌ لم يَرَ مِثْلَه في الحُسْنِ ، فهَمَّ أَنْ يأخذه ، فتَبَاعَدَ ولم يَطِرْ كالمُطْمِعِ له في أخذه ، فلم يَزَلْ يستأخر قليلاً قليلاً حتى طار من كوَّةِ البيت ، فتبعه داودُ ينظر إليه من الكوة من ورائه ، فوقع بصرهُ على امرأة أوريا ، وكانت قد تجرَّدَتْ من ثيابها تغتسلُ في بستانٍ خَلْفَ البيتِ الذي به داود ، فحَصَلَ في قلبه ما حصل ، وأصاب سَهْمُ التقدير حَدَقَتَه ، ولم تَنْفَعْهُ صَنْعَةُ اللَّبوسِ التي كان تعلَّمها لِتُحَصِّنَه من بأسه .