في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ} (80)

48

( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ، فهل أنتم شاكرون ? ) . .

تلك هي صنعة الدروع حلقا متداخلة ، بعد أن كانت تصنع صفيحة واحدة جامدة . والزرد المتداخل أيسر استعمالا وأكثر مرونة ، ويبدو أن داود هو الذي ابتدع هذا النوع من الدروع بتعليم الله . والله يمن على الناس أن علم داود هذه الصناعة لوقايتهم في الحرب : ( لتحصنكم من بأسكم )وهو يسألهم سؤال توجيه وتحضيض : ( فهل أنتم شاكرون ? ) . .

والحضارة البشرية سارت في طريقها خطوة خطوة وراء الكشوف . ولم تجيء طفرة ، لأن خلافة الأرض تركت لهذا الإنسان ، ولمداركه التي زوده الله بها ليخطو في كل يوم خطوة ؛ ويعيد تنسيق حياته وفق هذه الخطوة . وإعادة تنسيق الحياة وفق نظام جديد ليست سهلة على النفس البشرية ؛ فهي تهز أعماقها ؛ وتغير عاداتها ومألوفها ؛ وتقتضي فترة من الزمان لإعادة الاستقرار الذي تطمئن فيه إلى العمل والإنتاج . ومن ثم شاءت حكمة الله أن تكون هناك فترة استقرار تطول أو تقصر . بعد كل تنسيق جديد .

والقلق الذي يستولي على أعصاب العالم اليوم منشؤه الأول سرعة توالي الهزات العلمية والاجتماعية التي لا تدع للبشرية فترة استقرار ، ولا تدع للنفس فرصة التكيف والتذوق للوضع الجديد .

ذلك شأن داود .