البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ} (80)

{ وعلمناه صنعة لبوس لكم } اللبوس الملبوس فعول بمعنى مفعول كالركوب بمعنى المركوب ، وهو الدرع هنا .

واللبوس ما يلبس .

قال الشاعر :

عليها أسود ضاريات لبوسهم *** سوابغ بيض لا يخرّقها النبل

قال قتادة : كانت صفائح فأول من سردها وحلقها داوود فجمعت الخفة والتحصين .

وقيل : اللبوس كل آلة السلاح من سيف ورمح ودرع وبيضة وما يجري مجرى ذلك ، وداود أول من صنع الدروع التي تسمى الزرد .

قيل : نزل ملكان من السماء فمرا بداود فقال أحدهما للآخر : نعم الرجل إلاّ أنه يأكل من بيت المال ، فسأل الله أن يرزقه من كسبه فألان له الحديد فصنع منه الدروع امتن تعالى عليه بإيتائه حكماً وعلماً وتسخير الجبال والطير معه وتعليم صنعة اللبوس ، وفي ذلك فضل هذه الصنعة إذ أسند تعليمها إياه إليه تعالى .

ثم امتن علينا بها بقوله { ليحصنكم من بأسكم } أي ليكون وقاية لكم في حربكم وسبب نجاة من عدوّكم .

وقرىء { لُبوس } بضم اللام والجمهور بفتحها .

وقرأ الجمهور : ليحصنكم بياء الغيبة أي الله فيكون التفاتاً إذ جاء بعد ضمير متكلم في { وعلمناه } ويدل عليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالنون وهي قراءة أبي حنيفة ومسعود بن صالح ورويس والجعفي وهارون ويونس والمنقري كلهم عن أبي عمرو ليحصنكم داود ، واللبوس قيل أو التعليم .

وقرأ ابن عامر وحفص والحسن وسلام وأبو جعفر وشيبه وزيد بن علي بالتاء أي { لتحصنكم } الصنعة أو اللبوس على معنى الدرع ودرع الحديد مؤنثة وكل هذه القراءات الثلاث بإسكان الحاء والتخفيف .

وقرأ الفقيمي عن أبي عمرو وابن أبي حماد عن أبي بكر بالياء من تحت وفتح الحاء وتشديد الصاد ، وابن وثاب والأعمش بالتاء من فوق والتشديد واللام في { لكم } يجوز أن تكون للتعليل فتتعلق بعلمناه ، أي لأجلكم وتكون { لتحصنكم } في موضع بدل أعيد معه لام الجر إذ الفعل منصوب بإضمار إن فتتقدّر بمصدر أي { لكم } لإحصانكم { من بأسكم } ويجوز أن تكون { لكم } صفة للبوس فتتعلق بمحذوف أي كائن لكم ، واحتمل أن يكون ليحصنكم تعليلاً للتعليم فيتعلق بعلمناه ، وأن يكون تعليلاً للكون المحذوف المتعلق به { لكم } { فهل أنتم شاكرون } استفهام يتضمن الأمر أي اشكروا الله على ما أنعم به عليكم كقوله { فهل أنتم منتهون } أي انتهوا عما حرم الله .