تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

ثم قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } أي : يوم القيامة ، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب مَنْ يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة ، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق ، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ الحديد : 17 ] .

وقوله : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } أي : من الأعمال .

وفي قوله : { وَآثَارَهُمْ } قولان :

أحدهما : نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم ، وآثارهم التي أثروها من بعدهم ، فنجزيهم على ذلك أيضًا ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سن في الإسلام سنة حسنة ، كان له أجرها وأجر من عمل{[24677]} بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا ، ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا " .

رواه مسلم ، من رواية شعبة ، عن عون بن أبي جُحَيْفة ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه جرير بن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه ، وفيه قصة مُجْتَابِي النَّمَّار المُضريَّين . {[24678]} ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن يحيى بن سليمان الجعفي ، عن أبي المحياة يحيى بن يَعْلَى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جرير بن عبد الله ، فذكر الحديث بطوله ، ثم تلا هذه الآية : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } .

وقد رواه مسلم من رواية أبي عَوَانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه ، فذكره . {[24679]}

وهكذا الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم ، انقطع عمله إلا من ثلاث : من علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده " . {[24680]}

وقال سفيان الثوري ، عن أبي سعيد قال : سمعت مجاهدًا يقول في قوله :{[24681]} { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } قال : ما أورثوا من الضلالة .

وقال ابن لَهِيعَة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } يعني : ما أثروا . يقول : ما سنوا من سنة ، فعمل{[24682]} بها قوم من بعد موتهم ، فإن كان خيرًا فله مثل أجورهم ، لا ينقص من أجر مَنْ عمله شيئا ، وإن كانت شرًّا فعليه مثل أوزارهم ، ولا ينقص من أوزار من عمله شيئًا . ذكرهما ابن أبي حاتم .

وهذا القول هو اختيار البَغَوِيّ . {[24683]}

والقول الثاني : أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية .

قال ابن أبي نَجِيح وغيره ، عن مجاهد : { مَا قَدَّمُوا } : أعمالهم . { وَآثَارَهُمْ } قال : خطاهم بأرجلهم . وكذا قال الحسن وقتادة : { وَآثَارَهُمْ } يعني : خطاهم . قال قتادة : لو كان الله تعالى{[24684]} مُغفلا شيئًا من شأنك يا بن آدم ، أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار ، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله ، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله أو من معصيته ، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله ، فليفعل .

وقد وَرَدَت في هذا المعنى أحاديث :

الحديث الأول : قال{[24685]} الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا الجُرَيْري ، عن أبي نَضْرَة ، عن جابر بن عبد الله قال : خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد " . قالوا : نعم ، يا رسول الله ، قد أردنا ذلك . فقال : " يا بني سلمة ، دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم " .

وهكذا رواه مسلم ، من حديث سعيد الجريري وكَهْمس بن الحسن ، كلاهما عن أبي نضرة - واسمه : المنذر بن مالك بن قطْعَة العَبْدِي - عن جابر . {[24686]}

الحديث الثاني : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي ، حدثنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان الثوري ، عن أبي سفيان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلَمة في ناحية من المدينة ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد ، فنزلت : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن آثاركم تُكْتبُ " . فلم ينتقلوا . انفرد بإخراجه الترمذي{[24687]} عند تفسير هذه الآية الكريمة ، عن محمد بن الوزير ، به . {[24688]} ثم قال : " حسن غريب من حديث الثوري " . {[24689]}

ورواه ابن جرير ، عن سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، عن ابن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن طريف - وهو ابن شهاب أبو سفيان السعدي - عن أبي نضرة ، به . {[24690]}

وقد رُوِيَ من غير طريق الثوري ، فقال الحافظ أبو بكر البزار :

حدثنا عباد بن زياد الساجي ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن سعيد الجُرَيري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : إن بني سَلَمة شَكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد ، فنزلت : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } ، فأقاموا في مكانهم .

وحدثنا ابن المثنى{[24691]} ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

وفيه غرابة من حيث ذكْرُ نزول هذه الآية ، والسورة بكمالها مكية ، فالله أعلم .

الحديث الثالث : قال ابن جرير :

حدثنا نصر بن علي الجَهْضَمِي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عِكْرِمَة ، عن{[24692]} ابن عباس قال : كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد ، فنزلت : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فقالوا : نثبت مكاننا . هكذا رواه وليس فيه شيء مرفوع . {[24693]}

ورواه الطبراني عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد ، فأرادوا أن يتحولوا إلى المسجد ، فنزلت : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فثبتوا في منازلهم . {[24694]}

الحديث الرابع : قال{[24695]} الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثني حُيَيّ بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : توفي رجل بالمدينة ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " يا ليته مات في غير مولده " . فقال رجل من الناس ولم يا رسول الله ؟ فقال رسول الله {[24696]} صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا توفي في غير مولده ، قِيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة .

ورواه النسائي عن يونس بن عبد الأعلى ، وابن ماجه عن حرملة ، كلاهما عن ابن وهب ، عن حيي بن{[24697]} عبد الله ، به . {[24698]}

وقال{[24699]} ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا أبو تُمَيْلَةَ ، حدثنا الحسين ، عن ثابت قال : مشيت مع أنس فأسرعت المشي ، فأخذ بيدي فمشينا رويدًا ، فلما قضينا الصلاة قال أنس : مشيت مع زيد بن ثابت فأسرعت المشي ، فقال : يا أنس ، أما شَعَرْتَ أن الآثار تكتب ؟ أما شَعَرْتَ أن الآثار تكتب ؟{[24700]} .

وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول ، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك{[24701]} بطريق الأولى والأحرى ، فإنه إذا كانت هذه الآثار تُكتَب ، فلأن تُكْتَبَ تلك التي فيها قُدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى ، والله أعلم .

وقوله : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } أي : جميع الكائنات مكتوب في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ ، والإمام المبين هاهنا هو أم الكتاب . قاله مجاهد ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وكذا في قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] أي : بكتاب أعمالهم الشاهد عليهم بما عملوه من خير و شر ، كما قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } [ الزمر : 69 ] ، وقال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] .


[24677]:- في أ : "يعمل".
[24678]:- صحيح مسلم برقم (1017).
[24679]:- صحيح مسلم برقم (1017).
[24680]:- صحيح مسلم برقم (1631).
[24681]:- في ت : "وعن مجاهد في قوله".
[24682]:- في أ : "يعمل".
[24683]:- معالم التنزيل للبغوي (7/9).
[24684]:- في ت، س، أ : "عز وجل".
[24685]:- في ت : "رواه".
[24686]:- المسند (3/332) وصحيح مسلم برقم (665).
[24687]:- في أ : "مسلم".
[24688]:- سنن الترمذي برقم (3226).
[24689]:- في ت : "أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب".
[24690]:- تفسير الطبري (22/100).
[24691]:- في س، أ : "وحدثناه محمد بن المثني".
[24692]:- في ت : "رواه ابن جرير بإسناده إلى".
[24693]:- تفسير الطبري (22/100).
[24694]:- المعجم الكبير (12/8) وشيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ضعيف.
[24695]:- في ت : "رواه".
[24696]:- في ت، س : "النبي".
[24697]:- في أ : "عن".
[24698]:- المسند (2/177) وسنن النسائي (4/7) وسنن ابن ماجه برقم (1614).
[24699]:- في ت : "وروى".
[24700]:- تفسير الطبري (22/100).
[24701]:- في أ : "ذاك".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىَ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيَ إِمَامٍ مّبِينٍ } .

يقول تعالى ذكره : إنّا نَحْنُ نُحْيي المَوْتى من خلقنا وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا في الدنيا من خير وشرّ ، وصالح الأعمال وسيئها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا من عمل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا قال : ما عملوا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ما قَدّمُوا قال : أعمالهم .

وقوله : وآثارَهُمْ يعني : وآثار خُطاهم بأرجلهم ، وذكر أن هذه الاَية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليقرب عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا نصر بن عليّ الجهضميّ ، قال : حدثنا أبو أحمد الزّبيري ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فقالوا : نثبت في مكاننا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا ، قال : فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فثبتوا .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا الجريريّ ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : أراد بنو سَلِمة قرب المسجد ، قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا بَنِي سَلِمَةَ دِيارَكُمْ ، إنّها تُكْتَبُ آثارُكُمْ » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، قال : سمعت كهمسا يحدّث ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : أراد بنو سَلِمة أن يتحوّلوا إلى قُرب المسجد ، قال : والبقاع خالية ، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «يا بَنِي سَلِمَةَ دِيارَكُمْ إنّها تُكْتَبُ آثارُكُمْ » قال : فأقاموا وقالوا : ما يسرّنا أنا كنا تحوّلنا .

حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن طريف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، قال : شكت بنو سلِمة بُعد منازلهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فقال : «عَلَيْكُمْ مَنازلَكُمْ تُكْتَبُ آثارُكم » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، قال : حدثنا الحسين ، عن ثابت ، قال : مشيت مع أنس ، فأسرعت المشي ، فأخذ بيدي ، فمشينا رُويدا ، فلما قضينا الصلاة قال أنس : مشيت مع زيد بن ثابت ، فأسرعت المشي ، فقال : يا أنس أما شعرت أن الاَثار تكتب ؟

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن أن بني سَلِمة كانت دورهم قاصية عن المسجد ، فهموا أن يتحوّلوا قرب المسجد ، فيشهدون الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ألا تَحْتَسِبُونَ آثارَكُمْ يا بَني سَلِمَةَ ؟ » فمكثوا في ديارهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم ابن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، في قوله ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ قال : خُطَاهم بأرجلهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وآثارَهُمْ قال : خطاهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وآثارَهُمْ قال : قال الحسن : وآثارهم قال : خُطَاهم . وقال قتادة : لو كان مُغْفِلاً شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفّي الرياح من هذه الاَثار .

وقوله : وكُلّ شَيْء أحْصَيْناهُ في إمام مُبِينٍ يقول تعالى ذكره : وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه ، فأثبتناه في أمّ الكتاب ، وهو الإمام المبين . وقيل : مُبين ، لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في إمامٍ مُبِينٍ قال : في أمّ الكتاب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكُلّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إمامٍ مُبِينٍ كلّ شيء محصيّ عند الله في كتاب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكُلّ شَيْء أحْصَيْناهُ فِي إمام مُبِينٍ قال : أمّ الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين .