تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

[ وهي ]{[1]} مكية .

قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا قتيبة وسفيان بن وَكِيع ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسي ، عن الحسن بن صالح ، عن هارون أبي محمد ، عن مقاتل بن حيان ، عن قتادة{[2]} ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس . ومَنْ قرأ يس كَتَبَ الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات » .

ثم قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حُميد بن عبد الرحمن . وهارون أبو محمد شيخ مجهول . وفي الباب عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، ولا يصح لضعف إسناده ، وعن أبي هريرة منظور فيه . {[3]}

أما حديث الصديق فرواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول . {[4]} وأما حديث أبي هريرة فقال{[5]} أبو بكر البزار : حدثنا عبد الرحمن بن الفضل ، حدثنا زيد - هو ابن الحباب - حدثنا حُميد - هو المكي ، مولى آل علقمة - عن عطاء - هو ابن أبي رباح - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس » .

ثم قال : لا نعلم رواه إلا زيد ، عن حميد . {[6]}

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن هشام بن زياد ، عن الحسن قال : سمعت أبا هريرة يقول{[7]} : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورًا له . ومن قرأ : " حم " التي فيها الدخان أصبح مغفورًا له » . إسناد{[8]} جيد . {[9]}

وقال{[10]} ابن حبان في صحيحه : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم - مولى ثقيف - حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني ، حدثنا أبي ، حدثنا زياد بن خَيْثَمة ، حدثنا محمد بن جُحَادة ، عن الحسن ، عن جُنْدَب بن{[11]} عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله ، غفر له » . {[12]}

وقد قال{[13]} الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبيه ، عن معقل بن يَسَار ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «البقرة سِنام القرآن وذِرْوَته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ، واستخرجت { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] من تحت العرش فوصلت بها - أو : فوصلت بسورة البقرة - ويس قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة ، إلا غفر له ، واقرؤوها على موتاكم » .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن محمد بن عبد الأعلى ، عن معتمر بن سليمان ، به{[14]} .

ثم قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه ، عن مَعْقِل بن يَسَار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوها على موتاكم » - يعني : يس .

ورواه أبو داود ، والنسائي في " اليوم والليلة " وابن ماجه من حديث عبد الله بن المبارك ، به{[15]} إلا أن في رواية النسائي : عن أبي عثمان ، عن معقل بن يسار .

ولهذا قال بعض العلماء : من خصائص هذه السورة : أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسره الله . وكأن قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة ، وليسهل{[16]} عليه خروج الروح ، والله أعلم .

قال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان قال : كان المشيخة يقولون : إذا قرئت - يعني يس - عند الميت خُفِّف عنه بها . {[17]}

وقال{[18]} البزار : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، عن أبيه ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس قال : قال النبي{[19]} صلى الله عليه وسلم : «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي » - يعني : يس . {[20]}

بسم الله الرحمن الرحيم

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول " سورة البقرة " ، ورُوي عن ابن عباس وعِكْرِمَة ، والضحاك ، والحسن وسفيان بن عُيَيْنَة{[24662]} أن " يس " بمعنى : يا إنسان .

وقال سعيد بن جبير : هو كذلك في لغة الحبشة .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو اسم من أسماء الله تعالى .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
[8]:في د: "أن يعذب".
[9]:في د: "اللهم إني أعوذ بك".
[10]:في د: "لا يحتسبون".
[11]:في د: "وجلس".
[12]:في د: "فإذا هو بسمكة".
[13]:في د: "الغالبة".
[14]:في د: "وضربوهما".
[15]:في ف، أ: "زاكية".
[16]:في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
[17]:في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.
[18]:صحيح البخاري برقم (4725).
[19]:في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".
[20]:في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".
[24662]:- في ت : "وعكرمة وغيرهما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { يسَ * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : يس ، فقال بعضهم : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يس قال : فإنه قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .

وقال آخرون : معناه : يا رجل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله يس قال : يا إنسان ، بالحبشية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن شرقيّ ، قال : سمعت عكرمة يقول : تفسير يس : يا إنسان .

وقال آخرون : هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يس مفتاح كلام ، افتتح الله به كلامه .

وقال آخرون : بل هو اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يس قال : كلّ هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع .