لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

{ قال } يعني قال الله تعالى : { يا نوح إنه } يعني هذا الابن الذي سألتني نجاته { ليس من أهلك } اختلف علماء التفسير : هل كان هذا الولد ابن نوح لصلبه أم لا فقال الحسن ومجاهد كان ولد حدث من غير نوح ولم يعلم به فلذلك قال إنه ليس من أهلك ، وقال محمد بن جعفر الباقر : كان ابن امرأة نوح وكان يعلمه نوح ولذلك قال من أهلي ولم يقل مني . وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأكثر المفسرين : إنه ابن نوح من صلبه ، وهذا القول هو الصحيح والقولان الأولان ضعيفان بل باطلان ويدل على صحة هذا نقل الجمهور لما صح عن ابن عباس أنه قال : ما بغت امرأة نبي قط ولأن الله سبحانه وتعالى نص عليه بقوله سبحانه وتعالى : { ونادى نوح ابنه } ونوح صلى الله عليه وسلم أيضاً نص عليه بقوله { يا بني اركب معنا } وهذا نص في الدلالة وصرف الكلام عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة لا يجوز وإنما خالف هذا الظاهر من خالفه لأنه استبعد أن يكون ولد نبي كافراً وهذا خطأ ممن قاله لأن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه فريق في الجنة وهم المؤمنون وفريق في السعير وهم الكفار والله سبحانه وتعالى يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم فإن الله سبحانه وتعالى أخرج قابيل من صلب آدم عليه السلام وهو نبي وكان قابيل كافراً وأخرج إبراهيم من صلب آزر وهو نبي وكان آزر كافراً فكذلك أخرج كنعان وهو كافر من صلب نوح وهو نبي فهو المتصرف في خلقه كيف يشاء .

فإن قلت : فعلى هذا كيف ناداه نوح فقال : اركب معنا وأسأل له النجاة مع قوله رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً قلت : قد ذكر بعضهم أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يعلم بكون ابنه كان كافراً فلذلك ناداه وعلى تقدير أنه يعلم كفره إنما حمله على أن ناداه رقة لأبوة ولعله إذا رأى تلك الأهوال أن يسلم فينجيه الله بذلك من الغرق فأجابه الله عز وجل بقوله إنه ليس من أهلك يعني أنه ليس من أهل دينك لأن أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما .

ولما حكمت الشريعة برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر قال الله سبحانه وتعالى لنوح : إنه ليس من أهلك { إنه عمل غير صالح } قرأ الكسائي ويعقوب : عَمِلَ بكسر الميم وفتح اللام غير بفتح الراء على عود الفعل على الابن ومعناه أنه عمل الشرك والكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح ، وقرأ الباقون من القراء : عمَلٌ بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء ومعناه إن سؤالك إياي أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكفار بعد ما حكم عليه بالهلاك بعيد فلهذا قال سبحانه وتعالى : { إنه عمل غير صالح } ويجوز أن يعود الضمير في إنه على ابن نوح أيضاً ويكون التقدير على هذه القراءة إن ابنك ذو عمل أو صاحب عمل غير صالح فحذف المضاف كما قالت الخنساء : فإنما هي إقبال وإدبار .

قال الواحدي ، وهذا قول أبي إسحاق يعني الزجاج وأبي بكر بن الأنباري وأبي علي الفارسي قال أبو علي : ويجوز أن يكون ابن نوح عمل عملاً غير صالح فجعلت نفسه ذلك العمل لكثرة ذلك منه ، كما يقال الشعر زهير والعلم فلان إذا كثر منه فعلى هذا لا حذف { فلا تسألن ما ليس لك به علم } وذلك أن نوحاً عليه السلام سأل ربه إنجاء ولده من الغرق وهو من كمال شفقة الوالد على ولده وهو لا يعلم أن ذلك محظور لإصرار ولده على الكفر فنهاه الله سبحانه وتعالى عن مثل هذه المسألة وأعلمه أن ذلك لا يجوز فكان المعنى فلا تسألن ما ليس لك به علم بجواز مسألته { إني أعظك } يعني أنهاك { أن تكون من الجاهلين } يعني لمثل هذا السؤال .