الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

وقوله : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود : 46 ] أي : الذين عَمَّهم الوعْد ؛ لأنه ليس على دينِك ، وإِن كان ابنك بالولادة .

وقوله : { عَمَلٌ غَيْرُ صالح } : جعله وصفاً له بالمصدر ؛ على جهة المبالغة في وصفه بذلك ؛ كما قالت الخَنْسَاءُ تصفُ ناقَةً ذَهَبَ عنْها ولَدُها : [ البسيط ]

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ادكرت *** فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

أي : ذاتُ إِقبالٍ وإِدبارٍ ؛ ويبيِّن هذا قراءةُ الكسَائِيِّ أَنَّهُ { عَمَلٌ } غَيْرَ صَالحٍ فعلاً ماضياً ، ونصب «غير » على المفعول ل«عَمِلَ » ، وقولُ من قال : «إِن الولد كان لِغِيَّةٍ » خطأ محضٌ ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ والجمهور ؛ قالوا : وأما قوله تعالى : { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] فإِن الواحدة كانَتْ تقول للناس : هو مجنونٌ ، والأخرَى كانت تنبِّه على الأضيافِ ، وأما خيانة غَيْرُ هذا ، فلا ؛ ويَعْضُدُه المعنَى ، لشرف النبوءة ، وجوَّز المَهْدَوِيُّ أَنْ يعود الضمير في «إِنَّهُ » على السؤال ، أي : إِن سؤالك إِيَّايَ ما ليس لَكَ به علْم عملٌ غَيْرُ صالحٍ ؛ قاله النَّخَعِيُّ وغيره . انتهى . والأولُ أبينُ ؛ وعليه الجمهورُ ، وبه صدَر المهدويُّ ، ومعنى قوله : { فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي : إِذَا وَعَدتكَ ، فاعلم يقيناً ؛ أَنه لا خُلْفَ في الوعد ، فإِذا رأيتَ ولدك لم يُحْمَلْ ، فكان الواجبُ عليك أنْ تقف ، وتَعْلَم أَنَّ ذلك بحقٍّ واجبٍ عند اللَّه .

قال ( ع ) : ولكنَّ نوحاً عليه السلام حملته شفقةُ الأُبوَّة وسجيَّة البَشَر على التعرُّض لنفَحَاتِ الرحْمة ، وعَلَى هذا القَدْر وقَع عتابُهُ ؛ ولذلك جاء بتلطُّف وترفيع في قوله سبحانه : { إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين } ، ويحتمل قوله : { فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي : لا تطلُبْ منِّي أمراً لا تعلم المصلحة فيه عِلْمَ يقينٍ ، ونحا إِلى هذا أبو عليٍّ الفارسيُّ ، وهذا والأول في المعنَى واحدٌ .