تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

فقال : ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) .

هذا ، والله أعلم كان عند نوح أن ابنه كان على دينه لما لعله كان يظهر الموافقة له ، وإلا لا يحتمل أن يقول ( إن ابني من أهلي ) ويسأله نجاته ، وقد سبق منه النهي في سؤال مثله [ حين قال ][ في الأصل وم : حيث ] ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون )[ هود : 37 ] .

ولا يحتمل أن يكون يعلم أنه على غير دينه ، ثم يسأل له النجاة بعد ما نهاه عن المخاطبة في الذين ظلموا ، فقال : ( إنه ليس من أهلك ) في الباطن والسر ، وإلا خرج هذا القول مخرج تكذيب رسوله .

لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه كان في الظاهر عنده أنه على دينه لما كان يظهر له الموافقة ، وكان لا يعرف ما يضمره ، فسأله على الظاهر الذي عنده أنه على دينه لما كان يظهر له الموافقة ، وكان لا يعرف ما يضمره ، فسأله على الظاهر الذي عنده .

وكذلك أهل النفاق كانوا يظهرون الموافقة لرسول الله[ أدرج قبلها في الأصل وم العبارة التالية : وكان لا يعرف ما يضمر فسأله على الظاهر الذي عنده وكذلك أهل النفاق يظهرون ] صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويضمرون [ الخلاف لهم ][ في الأصل : الخلافة له ، في م : الخلاف له ] ، وكانوا لا يعرفون نفاقهم إلا بعد إطلاع الله إياه .

فعلى ذلك نوح كان [ لا ][ من م ، ساقطة من الأصل ] يعرف ما يضمر ؛ لذلك خرج سؤاله ، فقال : ( إنه ليس من أهلك ) الذين[ في الأصل وم : الذي ] وعد النجاة لهم ، أو ( إنه ليس من أهلك ) لأنه لم يؤمن بي ، ولم يصدقك في ما أخبرت ( إنه عمل غير صالح ) ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ : عمل غير صالح بغير تنوين[ انظر معجم القراءات القرآنية ح3/114 ] .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ [ ( عمل غير صالح ) بالتنوين . فمن قرأ بالنصب عمل ][ من م ، في الأصل : بالنصب على ] غير صالح أي إن ابنك عمل غير صالح . ومن قرأ : عملٌ فمعناه[ في الأصل وم : يكون معناه ] ، والله أعلم ، أن سؤالك عمل غير صالحٍ بالتنوين . وكل [ من ][ ساقطة من الأصل وم ] القراءتين يجوز أن يصرف إلى ابنه أي أنه عمل غير صالح ، وهو عمل الكفر ، وعمل غير صالح أي الذي كانوا عليه عمل غير صالح ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إن ابني من أهلي ) ثم قوله[ في الأصل وم : قال ] : ( إنه ليس من أهلك ) هذا في الظاهر يخرج على التكذيب له لكن الوجه فيه أنه من أهلك على ما عندك ، وليس من أهلك في ما بشرتك من نجاة أهلك .

وقوله تعالى : ( وإن وعدك الحق ) يحتمل [ وجهين :

أحدهما ][ ساقطة من م ] : وإن وعدك بإغراق الظلمة حق .

والثاني ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : وإن وعدك بنجاة المؤمنين حق ( وأنت أحكم الحاكمين ) .

وقوله تعالى : ( فلا تسألن ما ليس لك به علم ) يحتمل هذا نهيا عن سؤال مما لم يؤذن له من بعد ، لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا لا يسألون شيئا إلا بعد الإذن لهم في السؤال ، وإن كان يسع لهم السؤال ، أو أن يكون عتابا لما سبق ، والأنبياء عليهم السلام كانوا يعاتبون في أشياء تحل بهم . ذلك نحو قوله لرسول الله : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا )[ التوبة : 43 ] وقد كان منه الأمر بالقعود والنهي عن الخروج بقوله : ( فقل لن تخرجوا معي أبدا )[ التوبة : 83 ] ونحوه .

وقوله تعالى : ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) هو كما نهى رسول الله ( فلا تكونن من الجاهلين )[ الأنعام : 35 ] وأمثاله ، وإن كان معلوما أنه لا يكون من الجاهلين ، وهو ما ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهي عن الشيء ، بل النهي يظهر العصمة .