مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

{ قَالَ يَا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح } وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشياً وكنت قرشياً لصيقك ، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحماً فهو أبعد بعيد منك ، وجعلت ذاته عملاً غير صالح مبالغة في ذمه كقولها : فإنما هي إقبال وإدبار

أو التقدير : إنه ذو عمل ، وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله ، وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته . { عمِل غير صالح } علي قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق وإلا لا يحتمل أن يقول { ابني من أهلي } ويسأله نجاته ، وقد سبق منه النهي عن سؤال مثله بقوله { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } فكان يسأله على الظاهر الذي عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى أطلعه الله عليه ، وقوله { ليس من أهلك } أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر { فَلاَ تَسْأَلْنى } اجتزاء بالكسر عن الياء : كوفي { تسألْني } بصري { تسألّني } مدني { تسألَن } ِّ شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التأكيد { تسألن } َّ مكي { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } بجواز مسألته { إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين } هو كما نهى رسولنا بقوله { فلا تكونن من الجاهلين } { [ الأنعام : 35 ]