في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

25

وجاءه الرد بالحقيقة التي غفل عنها . فالأهل - عند الله وفي دينه وميزانه - ليسوا قرابة الدم ، إنما هم قرابة العقيدة . وهذا الولد لم يكن مؤمنا ، فليس إذن من أهله وهو النبي المؤمن . . جاءه الرد هكذا في قوة وتقرير وتوكيد ؛ وفيما يشبه التقريع والتأنيب والتهديد :

( قال : يا نوح إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح ، فلا تسألن ما ليس لك به علم . إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) . .

إنها الحقيقة الكبيرة في هذا الدين . حقيقة العروة التي ترجع إليها الخيوط جميعا . عروة العقيدة التي تربط بين الفرد والفرد مالا يربطه النسب والقرابة :

( إنه ليس من أهلك . إنه عمل غير صالح ) . .

فهو منبت منك وأنت منبت منه ، ولو كان ابنك من صلبك ، فالعروة الأولى مقطوعة ، فلا رابطة بعد ذلك ولا وشيجة .

ولأن نوحا دعا دعاء من يستنجز وعدا لا يراه قد تحقق . . كان الرد عليه يحمل رائحة التأنيب والتهديد :

( فلا تسألن ما ليس لك به علم . إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) . .

إني أعظك خشية أن تكون من الجاهلين بحقيقة الوشائج والروابط ، أو حقيقة وعد الله وتأويله ، فوعد الله قد أول وتحقق ، ونجا أهلك الذين هم أهلك على التحقيق .