قوله عزّ وجلّ : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } يعني عما لا يحل لهن . روي عن أم سلمة قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة بنت الحارث إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « احتجبا منه فقلنا : يا رسول الله أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه » أخرجه الترمذي وأبو داود . قوله تعالى { ولا يبدين } يعني لا يظهرن { زينتهن } يعني لغير المحرم وأراد بالزينة الخفية مثل الخلخال والخضاب في الرجل والسوار في المعصم والقرط في الأذن والقلائد في العنق فلا يجوز للمرأة إظهارها ولا يجوز للأجنبي النظر إليها والمراد من الزينة النظر إلى مواضعها من البدن { إلا ما ظهر منها } يعني من الزينة قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي الوجه والكفان . وقال ابن مسعود هي الثياب . وقال ابن عباس هي الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليه للضرورة مثل تحمل الشهادة ونحوه من الضرورات إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئاً من ذلك غض البصر وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة { وليضربن بخمرهن } يعني ليلقين بمقانعهن { على جيوبهن } يعني موضع الجيب وهو النحر والصدر يعني ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وأقراطهن وصدورهن ( خ ) عن عائشة قالت : «يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله » «وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها » المرط كساء من صوف أو خز أو كتان وقيل هو الإزار وقيل هو الدرع { ولا يبدين زينتهن } يعني الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهي ما عدا الوجه والكفين { إلا لبعولتهن } قال ابن عباس لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن أو آبائهن { أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن } فيجوز لهؤلاء أن ينظروا إلى الزينة الباطنية ولا ينظرون إلى ما بين السرة والركبة . ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن زوجته غير أنه يكره له النظر إلى فرجها { أو نسائهن } يعني المؤمنات من أهل دينهن أراد به أن يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة ما بين السرة والركبة ولا يجوز للمرأة المؤمنة أن تتجرد من ثيابها عند الذمية أو الكافرة لأن الله تعالى قال أو نسائهن والذمية أو الكافرة ليست من نسائنا ولأنها أجنبية في الدين فكانت أبعد من الرجل الأجنبي كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمام مع المسلمات .
وقيل يجوز كما يجوز أن تنكشف للمرأة المسلمة لأنها من جملة النساء { أو ما ملكت أيمانهن } قيل هو عبد المرأة فيجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفاً وأن ينظر إلى مولاته إلا ما بين السرة والركبة كالمحارم . وهو ظاهر القرآن يروى ذلك عن عائشة وأم سلمة : وروى أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم « أتى إلى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال : إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك » وقيل : هو كالأجنبي معها وهو قول سعيد بن المسيب . قال والمراد من الآية الإماء دون العبيد { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } قرئ غير بنصب الراء وقيل هو بمعنى الاستثناء ومعناه يبدين زينتهن للتابعين إلا ذا الإربة منهم فإنهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا إربة وقرئ غير بالجر على نعت التابعين والإربة والأرب الحاجة والمراد بالتابعين غير أولي الأربة هم الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم لا همة لهم إلا ذلك ولا حاجة لهم في النساء وقال ابن عباس هو الأحمق العنين وقيل هو الذي لا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن وقيل هو المجبوب والخصي وقيل هو الشيخ الهرم الذي ذهبت شهوته وقيل هو المخنث ( م ) عن عائشة رضي الله عنها : « قالت كان يدخل على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخل عليكن هذا فاحجبوه » زاد أبو داود في رواية « وأخرجوه إلى البيداء يدخل كل جمعة فيستطعم » قوله أقبلت بأربع أي أن لها في بطنها أربع عكن فهي تقبل إذا أقبلت بها وأراد بالثمان أطراف العكن الأربع من الجانبين وذلك صفة لها بالسنون { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } أي لم يكشفوا عن عورات النساء للجماع فيطلعوا عليها وقيل : لم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر وقيل لم يطيقوا أمر النساء وقيل لم يبلغوا حد الشهوة وقيل الطفولية اسم للصبي ما لم يحتلم { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } قيل كانت المرأة إذا مشت ضربت برجلها ليسمع صوت خلخالها أو يتبين خلخالها فنهين عن ذلك وقيل إن الرجل تغلب عليه شهوة النساء إذا سمع صوت الخلخال ويصير ذلك داعية له زائدة في مشاهدتهن وقد علل ذلك بقوله تعالى : { ليعلم ما يخفين من زينتهن } فنبه به على أن الذي لأجله نهى عنه أن يعلم به ما عليهن من الحلي وغيره { وتوبوا إلى الله جميعاً } أي من التقصير الواقع في أمره ونهيه وراجعوا طاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه من الآداب المذكورة في هذه السورة قيل إن أوامر الله ونواهيه في كل باب لا يقدر العبد الضعيف على مراعاتها وإن ضبط نفسه واجتهد فلا ينفك عن تقصير يقع منه فلذلك وصى المؤمنين بالتوبة والاستغفار ووعد بالفلاح إذا تابوا واستغفروا فذلك قوله تعالى { أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ( م ) عن الأغر أغر مزينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « توبوا إلى ربكم فوالله إني لأتوب إلى ربي تبارك وتعالى مائة مرة في اليوم » عن ابن عمر قال إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول : « رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة » أخرجه عبد الرحمن بن حميد الكشي ( ق ) عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة » ( م ) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.