ثم قال : { وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن }[ 31 ] ، يعني التستر {[48238]} .
قال ابن عباس : يغضوا {[48239]} من أبصارهم عن سوآتهم .
قال ابن زيد : يغض من {[48240]} بصره أن {[48241]} ينظر إلى ما لا يحل له ، إذا رأى ما لا يحل له ، غض بصره ، ولا ينظر إليه ، ولا يستطيع أحد أن يغض بصره كله ، إنما قال : " يغضوا من أبصارهم {[48242]} }[ 30 ] ، يريد أن النظرة الأولى لا يقدر أحد أن يملكها ، فالنهي إنما وقع على النظرة بعد النظرة الأولى ، ولذلك قال : { من أبصارهم } ولم يقل : يغضوا أبصارهم ؛ لأن النظرة الأولى لا يقدر على الكف عنها ، لأنها فجأة {[48243]} .
قال {[48244]} بعض العلماء : حرم الله على المسلمين نصا أن يدخلوا الحمام بغير مئزر .
وأجمع {[48245]} المسلمون {[48246]} أن السوءتين عورة من الرجل ، وأن {[48247]} المرأة كلها عورة ، إلا وجهها ويديها ، فإنهم اختلفوا فيهما .
وأكثر {[48248]} أهل العلم : على أن من سرة الرجل إلى ركبته عورة {[48249]} ، لا يجوز {[48250]} أن ترى .
وسأل {[48251]} جرير {[48252]} بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم {[48253]} عن نظرة الفجأة {[48254]} ، فقال : اصرف بصرك ، لأنه لو لم يصرف بصره {[48255]} لكان تاركا لما أمره الله به ، ناظرا اختيارا {[48256]} .
وروي عن {[48257]} النبي صلى الله عليه وسلم {[48258]} أنه {[48259]} قال لعلي بن أبي طالب {[48260]} يا علي : إن لك كنزا في الجنة ، وإنك ذو قرنيها {[48261]} فلا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى ، وليست لك الآخرة {[48262]} .
وروي {[48263]} عن أم سلمة {[48264]} : زوج النبي عليه السلام {[48265]} : أنها قالت : استأذن ابن {[48266]} أم مكثوم ، وأنا وعائشة عن النبي عليه السلام ، فقال لنا : احتجبن {[48267]} فقلنا : أو ليس بأعمى لا يبصرنا ، فقال : أفعمياوان {[48268]} أنتما .
قال {[48269]} أبو {[48270]} محمد {[48271]} : وهذه الآية تضمنت خمسة وعشرين ضميرا بين مرفوع ومخفوض ، كلها تعود على المؤمنات ، أولها الضمير المرفوع في { يغضضن } وآخرها الضمير المخفوض في قوله تعالى : { من زينتهن } ولا أعلم لهذه الآية نظيرا في القرآن في كثرة {[48272]} ضمائرها فاعلمه .
ثم قال : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }[ 31 ] ، أي {[48273]} ولا يظهرن لمن ليس بذي محرم زينتهن في بيوتهن {[48274]} ، كالخلخال ، والسوارين ، والقرط {[48275]} ، والقلادة {[48276]} .
قال {[48277]} ابن مسعود : هي زينة الثياب ، وكذلك {[48278]} قال النخعي ، والحسن .
وقال {[48279]} ابن عباس : هو {[48280]} الكحل ، والخاتم .
وقال {[48281]} ابن جبير : هو الوجه والكف .
وقال {[48282]} عطاء : الكفان والوجه .
وقال {[48283]} قتادة : الكحل ، والسوار {[48284]} ، والخاتم .
وعن {[48285]} ابن عباس أنه قال : الزينة الظاهرة الوجه ، وكحل العين ، وخضاب الكف ، والخاتم ، قال : فهذا ما تظهر في بيتها لمن دخل عليها من الناس .
وقالت {[48286]} عائشة رضي الله عنها : هو القُلْبُ والفَتْحَة ، يعني السوار والخاتم {[48287]} .
وقيل : الفتحة حَلَقٌ من فضة ، تجعلها النساء في أصابعهن .
وقول {[48288]} من قال : هو الوجه والكفان أحسنها {[48289]} ، لأن العلماء قد أجمعوا {[48290]} أن للمرأة أن تكشف وجهها ، وكفيها في صلاتها ، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك .
وقد روي {[48291]} عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أباح لها أن تبدي من ذراعيها إلى قرب النصف ، فالكحل ، والخاتم ، والخضاب ، والبنان {[48292]} داخل تحت هذا ، فإذا كان لها ذلك مباحا في الصلاة علم أنها {[48293]} ليس بعورة ، وإذا لم يكن عورة جاز لها إظهاره ، كما أن ما ليس بعورة من الرجل جائز {[48294]} له إظهاره ، فيكون هذا مما استثناه الله جل {[48295]} ذكره .
ثم قال تعالى : } وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ 31 ] ، أي وليلقين {[48296]} خمرهن ، هو جمع خمار على جيوبهن ، ليسترن شعورهن وأعناقهن .
ثم قال تعالى : } ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن }[ 31 ] ، وما بعد ذلك من القرابة ، يعني الزينة التي هي {[48297]} غير ظاهرة {[48298]} كالخلخال والدملج {[48299]} والقرط ، وما أمرت أن تغطيه بخمارها من فوق الجيب ، وما وراء ما {[48300]} أبيح لها كشفه وإبرازه في الصلاة للأجنبيين من الناس ، من الذراعين إلى ما فوق ذلك/ .
وقال {[48301]} قتادة {[48302]} : يبدين {[48303]} لهؤلاء الرأس .
قال {[48304]} ابن عباس {[48305]} : الذي {[48306]} يبدين لهؤلاء هو قرطها {[48307]} ، وقلادتها وسوارها ، وأما خلخالاها {[48308]} ومعضداها {[48309]} ، ونحرها وشعرها ، فإنه لا تبديه إلا لزوجها .
وقال {[48310]} ابن مسعود {[48311]} : أي {[48312]} هو الطوق والقرطان {[48313]} .
وقيل : معنى : } وليضربن بخمرهن على جيوبهن }[ 31 ] ، أي ليغط {[48314]} شعرها وصدرها وتوائبها {[48315]} ، وكلما زين وجهها ، ومعنى : } ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } [ 31 ] ، ومن بعدهم أي لا يضعن جلابيبهن ، وهي المقانع التي فوق الخمار ، إلا لهؤلاء المذكورين .
وقوله {[48316]} : } أو نسائهن } يعني بذلك نساء المسلمين ، يعني المؤمنات منهن . قاله {[48317]} ابن جرير ، قال {[48318]} : ولا يحل لمسلمة {[48319]} أن تري مشركة عورتها {[48320]} ، إلا أن تكون لها ، فذلك {[48321]} قوله : } أو ما ملكت أيمانهن }[ 31 ] ، وكتب {[48322]} عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله {[48323]} عنهما " أما بعد فإنه بلغني ، أن نساء يدخلن الحمامات ، معهن نساء أهل الكتاب ، فامنع ذلك وحل دونه " ، ثم إن أبا عبيدة قام في ذلك المقام متبتلا {[48324]} ، فقال : اللهم أيما امرأة تدخل الحمام من غير علة ، ولا سقم ، تريد البياض لزوجها {[48325]} ، فسود وجهها يوم تبيض الوجوه .
وقوله تعالى ذكره : } أو ما ملكت أيمانهن }[ 31 ] ، يعني المماليك ، لها أن تبدي له من الزينة {[48326]} ، ما تبدي لغيره من ذوي المحارم ، وهو قول {[48327]} عائشة وأم سلمة جعلتا العبد بمنزلة ذي {[48328]} المحرم في {[48329]} هذه الآية ، فلا يحل له أن يتزوج سيدته ، وهو في ملكها ، لأنه ما دام مملوكا فهو بمنزلة ( ذوي المحارم ) {[48330]} ، وهذا هو قوله : }ليستاذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا {[48331]} الحلم منكم } {[48332]}[ 58 ] .
وقيل : إنه ليس للعبد أن يرى منها إلا ما يرى الأجنبي {[48333]} .
قال {[48334]} ابن عباس : لا ينظر عبدها إلى {[48335]} شعرها ولا إلى نحرها وهو مذهب : ابن مسعود ، ومجاهد ، وعطاء ، فأما {[48336]} الخلخالان عند ابن عباس فلا ينظر إليه إلا الزوج {[48337]} ، فيكون التقدير على هذا القول الثاني : أو ما ملكت أيمانهن غير أولي الإربة أو التابعين ( 31 ) غير أولي الإربة ثم حذف .
وقيل {[48338]} : } أو ما ملكت أيمانهن }[ 31 ] ، إنما هو للإماء خاصة . قال ذلك ابن المسيب {[48339]} .
وقوله : }أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال }[ 31 ] ، أي والذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم ممن {[48340]} لا أرب له في النساء من الرجال .
قال {[48341]} قتادة : " هو الرجل يتبعك ليصيب من طعامك " {[48342]} .
وقال {[48343]} مجاهد : هو الذي يريد الطعام {[48344]} ولا يريد النساء ، ولا يهمه {[48345]} إلا بطنه ولا يخاف منه {[48346]} على النساء . وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رجل {[48347]} يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم {[48348]} ، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل عليه النبي يوما {[48349]} ، وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة {[48350]} ، فقال : إنها إذا أقبلت ، أقبلتْ {[48351]} بأربع ، وإذا أدبرت أدبرتْ بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {[48352]} لأرى {[48353]} هذا يعلم ما هاهنا ، لا يدخلن عليكم فحجبوه {[48354]} .
وقال {[48355]}- {[48356]} عكرمة : " غير أولي الإربة " [ 31 ] ، هو المخنث ، الذي لا يقوم له : يريد العنين .
وقيل {[48357]} : هو الشيخ الهرم {[48358]} ، والخنتى ، والمعتوه ، والطفل ، والعنّين .
والإربة والأرب {[48359]} : الحاجة . ومن نصب غيرا نصبه {[48360]} على الحال .
وقيل {[48361]} : على الاستثناء ، ومن خفضه جعله نعتا للتابعين .
وقوله : } أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }[ 31 ] ، أي الذين لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن فتطلعوا {[48362]} عليها {[48363]} .
قال {[48364]} مجاهد : الذين {[48365]} لم يدروا {[48366]} ما هي من الصغر قبل الحلم ، وقيل : لم يظهروا : لم يطيقوا {[48367]} ذلك ، كما يقال : فلان على فلان : أي قدر عليه وغلبه .
والطفل هنا بمعنى الأطفال ، دل على ذلك نعته بالذين .
ثم قال تعالى : } ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن }[ 31 ] ، أي لا يجعلن {[48368]} في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين أو حركنهن {[48369]} علم الناس ما يخفين من ذلك .
قال {[48370]}ابن عباس : هو أن تقرع {[48371]} الخلخال بالآخر عند الرجال أو يكون في رجليها خلاخل فتحركهن {[48372]} عند الرجال/فنهى الله جل ثناؤه عن ذلك لأنه من {[48373]} عمل الشيطان .
وقال {[48374]} السدي {[48375]} : عن أبي {[48376]} مالك : كانت المرأة تلبس في {[48377]} رجليها الخلاخل {[48378]} ، وتمر على المجلس ، فتضرب برجليها ليسمع صوت {[48379]} خلاخلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك .
وعن {[48380]} ابن عباس أنه قال : لا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال الخلخال فيظهر صوته .
ثم قال : { وتوبوا إلى الله جميعا أيه المومنون } [ 31 ] ، أي ارجعوا إلى طاعة الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من غض البصر ، وحفظ الفرج ، وترك دخول بيوت غيركم إلا بعد الاستئذان ، وغير ذلك من أمره ونهيه .
{ لعلكم تفلحون } أي لعلكم تدركون طلباتكم عنده بالنجاة {[48381]} والبقاء في النعيم .
روى {[48382]} ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الندم على الدنيا توبة {[48383]} .
وروى ابن مسعود {[48384]} : أن النبي عليه {[48385]} السلام قال : لله {[48386]} أفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه من رجل ضلت منه {[48387]} راحلته {[48388]} بداوية {[48389]} قفر {[48390]} عليها طعامه وشرابه ، فطلبها حتى إذا جهده الطلب ، قال : أرجع فأموت في موضع رحلي ، فجاء موضع رحله فوضع رأسه فبينما هو كذلك ، إذا هو براحلته عليها طعامه ، وشرابه عند رأسه .