الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (31)

وقوله تعالى : { وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن } [ النور : 31 ] .

أمر اللّه تعالى النساء في هذه الآية بِغَضِّ البصر عن كل ما يُكْرَهُ من جهة الشرع النظرُ إليه ، وفي حديث أُمِّ سلمةَ قالت : ( كُنْتُ أنا وعائشةُ عند النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( احْتَجِبْنَ ، فَقُلْنَ : إنَّهُ أعمى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ) و{ من } الكلام فيها كالتي قبلها ، قال ابن العربي في «أحكامه » : وكما لا يَحِلُّ للرجل أن ينظر إلى المرأة ، لا يحل للمرأة أَنْ تنظر إلى الرجلِ ، فإنَّ عَلاَقَتَهُ بها كعلاقتها به ، وقصدَه منها كقصدها منه ، ثم استدل بحديث أُمِّ سلمة المتقدم انتهى .

وحفظ الفرج يَعُمُّ الفواحش ، وسترَ العورة ، وما دون ذلك مِمَّا فيه حفظ ، ثم أَمر تعالى بأَلاَّ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ ما يظهر من الزينة ، قال ابن مسعود : ظاهر الزينة : هو الثياب ، وقال ابن جبير وغيره : الوجه والكَفَّانِ والثياب ، وقيل : غير هذا ، قال : زينتها .

( ع ) : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أَنَّ المرأة مأمورة بأَلاَّ تبديَ ، وأَنْ تجتهدَ في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء في كُلِّ ما غلبها ، فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بُدَّ منه أو إصلاح شأن ، فما ظهر على هذا الوجه فهو المَعفُوُّ عنه ، وذكر أبو عمر : الخلاف في تفسير الآية كما تقدم قال ورُوِيَ عن أبي هريرة في قوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قال : القُلْبُ والفتخة ، قال جرير بن حازم : القُلْبُ : السِّوَارُ ، والفتخة : الخاتم ، انتهى من «التمهيد » .

وقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ } ، قال ابن العربي : الجيب هو الطَّوْقُ ، والخمار : هو المِقْنَعَة انتهى .

قال ( ع ) : سبب الآية أَنَّ النساء كُنَّ في ذلك الزمان إذا غَطَّيْنَ رؤوسهنَّ بالأخمرة سَدَلْنَهَا من وراء الظهر فيبقى النَّحْرُ والعُنُقُ والأُذُنَانِ لا سِتْرَ على ذلك ، فأمر اللّه تعالى بِلَيِّ الخمار على الجيوب ، وهَيْئَةُ ذلك يستر جميعَ ما ذكرناه ، وقالت عائشة رضي اللّه عنها رُحِمَ اللّهُ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ لمَّا نزلت هذه الآية عَمَدْنَ إلى أكثف المروط فشققنها أخمرةً ، وضربن بها على الجيوب ) .

وقوله سبحانه : { أَو نِسائِهن } يعني جميع المؤمنات ، ويخرج منه نساء المشركين ، وكتب عمر إلى أبي عبيدةَ بن الجراح أَنْ يمنع نساءَ أهل الذِّمَّةِ أَنْ يدخلنَ الحَمَّامَ مع نساء المسلمين فامتثل .

وقوله سبحانه : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن } يدخل فيه الإماءُ الكتابِيَّاتُ والعبيد .

وقال ابن عباس وجماعة : لا يدخل العبد على سَيِّدته فيرى شعرها إلاَّ أن يكون وغْداً .

وقوله تعالى : { أَوِ التابعين } يريد الأتباع لِيُطْعَمُوا ، وهم فُسُولُ الرجال الذين لا أرْبَةَ لهم في الوَطْءِ ، ويدخل في هذه الصنيفة : المَجْبُوبُ ، والشيخ الفاني ، وبعضُ المَعْتُوهِينَ ، والذين لا إرْبَةَ له من الرجال قليلٌ ، والإربة : الحاجة إلى الوطء ، والطفل اسم جنس ، ويقال : طفل ما لم يُراهِقِ الحُلُمِ ، و{ يَظْهَرُوا } معناه : يَطَّلِعُوا بالوطء .

وقوله تعالى : { النساء ولا يضربن } قيل : سببها أَنَّ امرأة مَرَّتْ على قوم فضربت برجلها الأرض فَصَوَّتَ الخَلْخَالُ ، وسماعُ صوت هذه الزينة أَشَدُّ تحريكاً للشهوة من إبدائها ذكره الزَّجَّاجُ ، ثم أمر سبحانه بالتوبة مُطْلَقَةً عَامَّةٍ من كل شيء صغير وكبير .