غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (31)

وتفسير قوله { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } يعلم من التفصيل المتقدم . أما قوله { ولا يبدين زينتهن } فمن الأحكام التي تختص بالنساء في الأغلب . وقد يحرم على الرجل إبداء زينته للنساء الأجنبيات إذا كان هناك فتنة . قال أكثر المفسرين : الزينة ههنا أريد بها أمور ثلاثة : أحدها الأصباغ كالكحل والخضاب بالوسمة في حاجبيها والحمرة في خديها والحناء في كفيها وقدميها . وثانيها الحلي كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلائد والإكليل والوشاح والقرط . وثالثها الثياب .

وقال : آخرون : الزينة اسم يقع على محاسن الخلق التي خلقها الله تعالى وعلى ما يتزين به الإنسان من فضل لباس أو حلي وغير ذلك . يدل على ذلك أن كثيراً من النساء يتفردن بخلقهن عن سائر ما يعدّ زينة . وفي قوله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } إشارة إلى ذلك وكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقهن فأوجب سترها بالخمار . قال القفال : بناء على هذا القول معنى قوله { إلا ما ظهر منها } إلا ما يظهره الإنسان على العادة الجارية وذلك في النساء الحرائر الوجه والكفان ، وفي الإماء كل ما يبدو عند المهنة . وفي صوتها خلاف ، الأصح أنه ليس بعورة لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يروين الأخبار للرجال . وأما الذين حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فذهبوا إلى أنه تعالى إنما حرم النظر إليها حال اتصالها ببدن المرأة لأجل المبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة إلا ما ظهر من هذه الزينة كالثياب مطللقاً إذا لم تصف البدن لرقتها ، وكالحمرة والوسمة في الوجه ، وكالخضاب والخواتيم في اليدين ، وما سوى ذلك يحرم النظر إليه . ولهذا قال { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } والخمر جمع الخمار وهي كالمقنعة . قال المفسرون : إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن وكانت جيوبهن من قدام وساعة فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن ، فأمر أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتستتر بذلك أعناقهن ونحورهن وما حواليها من شعر وزينة . وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء شبيه الإلصاق . وعن عائشة : ما رأيت نساء خيراً من نساء الأنصار ، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرن فأصبحن كأن على رؤوسهن الغربان .

ثم بين أن الزينة الخفية يحل إبداؤها لاثنتي عشرة فرقة : الأولى بعولتهن أي أزواجهن والتاء لتأكيد الجمع كصقورة . الثانية : آباؤهن وإن علوا من جهة الأب والأم . الثالثة : آباء بعولتهن وإن علوا . الرابعة : أبناؤهن وإن سفلوا الخامسة : أبناء بعولتهن وإن سفلوا أيضا . السادسة : إخوانهن سواء كانوا من الأب أو من الأم أو منهما . السابعة : بنو إخوانهن . الثامنة : بنو أخواتهن وحكم أولاد الأولاد حكم أولاد فيهما . وهؤلاء كلهم محارم وترك من المحارم العم والخال ، فعن الحسن البصري أنهما كسائر المحارم في جواز النظر . وقد يذكر البعض لينبه على الجملة ولهذا لم يذكر المحارم من الرضاع في هذه الآية ، وكذا في سورة الأحزاب قال { لا جناح عليهن في آبائهن } [ الآية : 55 ] إلى آخر الآية . ولم يذكر البعولة ولا أبناءهم . وقال الشعبي : إنما لم يذكرهما الله تعالى لئلا يصفها العم عند ابنه والخال عند ابنه ، وذلك أن العم والخال يفارقان سائر المحارم في أوان أبناءهما ليسوا من المحارم ، فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم ومعرفة الوصف قريب من النظر ، وهذا أيضاً من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط في التستر . وإنما أبيح إبداء الزينة الخفية لهؤلاء المذكورين لاحتياجهن إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولاسيما في الأسفار للنزول والركوب . وأيضاً لقلة وقوع الفتنة من جهاتهم لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب الأقارب . التاسعة : قوله { أو نسائهن } فذهب أكثر السلف إلى أن المراد أهل أديانهن ومن هنا قال ابن عباس : ليس للمسلمة أن تتجرد بين سناء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لها . وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات . وقال آخرون : والعمل عليه إن المراد جميع النساء وقول السلف محمول على الأولى والأحب . العاشرة : قوله { أو ما ملكت أيمانهن } وظاهر الآية يشمل العبيد والإماء ويؤيده ما روى أنس أنه صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال : " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك " وعن عائشة أنها قالت لذكوان : إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر . وعنها أنها كانت تمشط والعبد ينظر إليها . وقال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب : إن العبد ينظر إلى شعر مولاته وهو قول أبي حنيفة إذ ليس ملكها للعبد كملكه للأمة فلا خلاف أنها لا تستبيح بملك العبد شيء من التمتع منه كما يملك الرجل من الأمة . وتحريم تزوج العبد لمولاته عارض غير مؤبد كمن عنده أربع نسوة لا يجوز له التزوج بغيرهن ، فلما لم تكن هذه الحرمة مؤبدة كان العبد بمنزلة سائر الأجانب خصياً كان العبد أو فحلاً . وأورد على هذا القول لزوم التكرار ضرورة أن الإماء من حملة نسائهن . وأجيب بأنه أراد بالنساء الحرائر كما أراد بالرجال الأحرار في قوله { شهيدين من رجالكم } [ البقرة : 282 ] الحادية عشرة قوله { أو التابعين غير أولي الإربة } وهي الحاجة وهم البله . وأهل العنة الذين لا يعرفون شيئاً من أمور النساء إنما يتبعون الناس ليصيبوا من فضل طعامهم أو شيوخ صلحاء لا حاجة بهم إلى النساء لعفة أو عنانة . عن زينب بنت أم سملة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث فأقبل على أخي أم سلمة وقال : يا عبد الله إن فتح الله لكم الطائف أدلك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان عنى عكن بطنها . فقال صلى الله عليه وسلم : " لا يدخلن عليكم هذا . " فأباح النبي صلى الله عليه وسلم دخول المخنث عليهن حين ظن أنه من غير أولي الإربة ، فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهن علم أنه من أولي الإربة فحجبه .

الثانية عشر قوله { أو الطفل } وهو جنس يقع على الواحد والجمع وهو المراد ههنا .

قال ابن قتيبة معنى { لم يظهروا } لم يطلعوا { على عورات النساء } والعورة سوأة الإنسان وكل ما يستحيا منه . وقال الفراء والزجاج : هو من قولهم " ظهر على كذا " إذا قوي عليه أي لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء . فعلى الأول يجب الاحتجاب ممن ظهر فيه داعية الحكاية ، وعلى الثاني إنما يجب الاحتجاب من المراهق الذي ظهرت فيه مبادي الشهوة ، قال الحسن : هؤلاء الفرق وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الظاهرة فهم على أقسام ثلاثة : فأولهم الزوج وله حرمة ليست لغيره يحل له كل شيء منها ، والثاني الأب والابن والأخ والجد وأبو الزوج وكل محرم من الرضاع أو النسب كل يحل لهم أن ينظروا إلى الشعر والصدر والساقين والذراع وأشباه ذلك . والثالث التابعون غير أولي الإربة ، وكذا المملوك لا بأس أن تقوم المرأة الشابة بين يدي هؤلاء في درع وخمار صفيق بغير ملحفة ، ولا يحل لهؤلاء أن يروا منها شعراً ولا بشراً ولا يصح للشابة أن تقوم بين يدي الغريب حتى تلبس الجلباب . فهذا ضبط هذه المراتب ثم علمهن أدباً آخر جميلاً بقوله { ولا يضربن بأرجلهن } قال ابن عباس : كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال . وقيل : كانت تضرب بإحدى رجليها الأخرى ليعلم أنها ذات خلخالين . وفي النهي عن إظهار صوت الحلي بعد نهيهن عن إظهار الحلي مبالغة فوق مبالغة ليعلم أن كل ما يجر إلى الفتنة يجب الاحتراز عنه ، فإن الرجل الذي تغلب عليه الشهوة إذا سمع صوت الخلخال يصير ذلك داعياً له إلى مشاهدتهن ، ومنه يعلم وجوب إخفاء صوتهن إذا لم يؤمن الفتنة ولهذا كرهوا أذان النساء ، ثم ختم الآية بالأمر بالدوام على التوبة والاستغفار لأن الإنسان خلق ضعيفاً لا يكاد يقدر على رعاية الأوامر والنواهي كما يجب . قال العلماء : إن من أذنب ذنباً ثم تاب عنه لزمه كلما ذكر أن يجدد عنه التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه إلى أن يلقى ربه عز وجل . وعن ابن عباس : أراد توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة . قال جار الله : من قرأ { آية المؤمنون } بضم الهاء فوجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف ، فلما سقطت اللف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها .

/خ34