لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (28)

وقوله : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء } يعني أنصاراً وأعواناً من دون المؤمنين يعني من غير المؤمنين ، والمعنى لا يجعل المؤمن ولايته لمن هو غير مؤمن نهى الله المؤمنين أن يوالوا الكفار أو يلاطفوهم لقرابة بينهم أو محبة أو معاشرة ، والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان { ومن يفعل ذلك } يعني موالاة الكفار من نقل الأخبار إليهم وإظهار عورة المسلمين أو يودهم ويحبهم { فليس من الله في شيء } أي فليس من دين الله في شيء . وقيل : معناه فليس من ولاية الله في شيء وهذا أمر معقول من أن ولاية المولى معاداة أعدائه وموالاة الله وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان { إلا أن تتقوا منهم تقاة } أي إلاّ أن تخافوا منهم مخافة . ومعنى الآية أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلاّ أن يكون الكفار غالبين ظاهرين ، أو يكون المؤمن في قوم كفاراً فيداهنهم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً أو غير ذلك من المحرمات ، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية قال الله تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، ثم هذه التقية رخصة فلو صبر على إظهار إيمانه حتى قتل كان له بذلك أجر عظيم ، وأنكر قوم التقية اليوم وقالوا : إنما كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام والمسلمين فليس لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم . قال يحيى البكاء : قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج : إن الحسن يقول : التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ، فقال سعيد : ليس في الأمان تقية إنما التقية في الحرب . وقيل : إنما تجوز التقية لصون النفس عن الضرر لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان . { ويحذركم الله نفسه } أي ويخوفكم الله أن تعصوه بأن ترتكبوا المنهي أو تخالفوا المأمور به أو توالوا الكفار فتستحقوا عقابه على ذلك كله . { وإلى الله المصير } يعني أن الله يحذركم عقابه إذا صرتم إليه في الآخرة .