صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

{ وما يستوى البحران } مثل للمؤمن والكافر . فالبحر العذب : مثل للمؤمن ، والبحر الملح : مثل للكافر . وكما أن البحرين – وإن اشتركا في بعض الفوائد – لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من كل منهما . كذلك المؤمن والكافر – وإن اشتركا في بعض الصفات كالشجاعة والسخاء والأمانة لا يتساويان في الخاصية العظمى ؛ لبقاء الأول على الفطرة الأصلية ومعاندة الآخر لها . { هذا عذب فرات } [ آية 53 الفرقان ص 101 ] . { سائغ شرابه } سهل انحداره في الحلق لعذوبته . { أجاج } [ آية 53 الفرقان ] . { وتستخرجون حلية تلبسونها } أي اللؤلؤ والأصداف والمرجان ، وهي إنما تستخرج من الملح خاصة . وما يفيده ظاهر الآية من أنها تستخرج من كل من العذب والملح غير مراد ؛ بل الكلام جرى على نمط قوله تعالى : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } {[290]} .

وقول القائل : لو رأيت الحسن والحجاج لرأيت خيرا وشرا ؛ فالأول للأول ، والثاني للثاني . وهنا الأول وهو اللحم الطري من البحرين . والثاني وهو الحيلة من الثاني وهو الملح .

{ وترى الفلك فيه مواخر } شواق للماء بصدرها ، يجزيها الله مقبلة ومدبرة بريح واحدة . [ آية 14 النحل ص 431 ] .


[290]:آية 73 القصص.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

قوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

المرتد بالبحرين : النهر والبحر ، فماء النهر عذب فرات . والفرات أعذب العذب . وهو سائغ شرابه أي سهل مدخله في الحلق{[3852]} . وماء البحر ملح أُجاج ؛ أي مرّ . وهذان صنفان من الماء مختلفان غير مستويين . وهذه ظاهرة من ظواهر الطبيعة العجاب التي تزجي بالدليل المستبين على عظيم قدرة الله وبالغ حكمته .

قوله : { وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } والمراد به السمك . وهو من الكائنات التي تعيش في الماء سواء فيه العذب أو المِلْح . والسمك طعام نافع مستطاب جعله الله نعمة للعباد يصطادونه في الماء بغير عسر ولا مشقة .

قوله : { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } وهي اللؤلؤ والمرجان ؛ إذْ يُستعملان للبس أو الافتراش أو غير ذلك من وجوه الزينة .

قوله : { وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } { الْفُلْكَ } السفن . و { مَوَاخِرَ } ، يعني جواري . مَخَرت السفينة إذا جرت تشقُ الماء مع صوت{[3853]} ؛ أي السفن الجواري في البحر تشق الماء بصدورها شقا وهي تخرُق عُبابَ البحر { لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } أي ترمون التجارة في أسفاركم فتقطعون المسافات النائية والأقاليم الواسعة طلبا للرزق وتحقيقا للمعاش .

قوله : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي تشكرون الله على ما خوَّلكم من نعمة الطفْوِ على سطح الماء . فقد سخَّر الله لكم البحر ليحمل بكم السفائن فتبلغوا بها ما تريدون من البلدان حيث تقضون فيه حوائجكم ومصالحكم المختلفة .

وهذه ظاهرة عظيمة من ظواهر الطبيعة سخرها الله لنبي آدم ليسيروا على سطح لماء بمراكبهم وأمتعتهم الثقال وهم آمنون مطمئنون . وهذه ظاهرة فريدة خص الله بها الماء دون غيره من المائعات{[3854]} .


[3852]:مختار الصحاح ص 321
[3853]:أساس البلاغة ص 584 ومختار الصحاح ص 617
[3854]:الكشاف ج 3 ص 304 وتفسير الطبري ج 22 ص 81-82