صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

{ والله خلقكم من تراب } دليل آخر على صحة البعث والنشور وكمال القدرة عليه . { ثم من نطفة } هي المني [ آية 4 النحل ص 428 ]{ وما يعمر من معمر } أي ما يمد في عمر أحد{ ولا ينقص من عمره } أي من عمر أحد آخر{ إلا في كتاب } عنده تعالى ؛ أي في اللوح المحفوظ ، أو في الصحيفة ، أو في العلم الأزلي ، أو بقضائه تعالى . وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : ليس أحد قضي له طول العمر إلا وهو بالغ ما قدر له من العمر ، وإنما ينتهى إلى الكتاب الذي قدر له لا يزيد عليه . وليس أحد قضي له أنه قصير العمر ببالغ العمر – أي الذي بلغه الأول – ولكن ينتهى إلى الكتاب الذي قدر له .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

قوله : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } ذلك برهان آخر من الله على بالغ قدرته وعظيم صفته وجزيل نعمته على العباد . فقد خلق الله الإنسان من تراب وهو أصل أبيه آدم ، خلقه الله من طين ثم أمر ملائكته بالسجود له تعظيما وتكريما { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } وهي الماء قل أو كثر{[3850]} ، وهي مزيج مختلط من ماء الرجل والمرأة ليتخلَّق منهما الولد ذكرا كان أو أنثى .

قوله : { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } أي زوَّج بعضكم بعضا ، أو جعلكم أصنافا ، أي ذكرانا وإناثا لتستوي الحياة على وجه الأرض فتظل عامرة بأهلها من الأناسي حتى يأتي وعدُ الله بزوال الدنيا .

قوله : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي يزوج الذكران من الإناث فيتناسلان بعلم الله بعد إلقاء النطف في الأرحام ، ثم حصول الحمل ، ثم التناسل ، كل ذلك بعلم ؛ فهو سبحانه لا يفوته من ذلك شيء ولا يعزب عن علمه بذلك أيما خبر .

قوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } سماه معمرا بما هو صائر إليه . والمعنى : أن من قضيت له أن يعمَّر حتى يدركه الكبر ، أو يعمَّر أنقص من ذلك ، فكل بالغ أجله الذي قضي له ، وكل ذلك في كتاب . فلا يطول عمر إنسان ولا يقصر إلا في كتاب وهو اللوح المحفوظ ؛ إذ هو مكتوب عند الله ، قد علمهُ وأحصاه .

قوله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } العلم بالآجال والأعمار ، ما طال منها ومالا قُصر ، وإحصاء ذلك كله على الخلْق سهل على الله غير متعذر عليه{[3851]} .


[3850]:أساس البلاغة ص 639
[3851]:الكشاف ج 3 ص 301-303 وتفسير الطبري ج 22 ص 79-81 وأحكام القرآن لابن العربي ج 4 ص 1593