{ ومن آياته خلق السموات . . } أي ومن الآيات الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده ، وتصديق ما وعد به من البعث : خلق السموات والأرض على هذه الصورة العجيبة والنظام المحكم .
{ وما بث فيهما من دابة } أي وما خلق ما فرق ونشر فيهما من دواب . والدابة اسم لكل ما دب على وجه الأرض أو غيرها . وظاهره وجود دواب في السموات . وجوزه الزمخشري فقال : يجوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران ؛ فيصفون بالدبيب كما يوصف الحيوان ، وأن يخلق الله في السموات حيوانات يمشون فيها مشى الحيوانات في الأرض . وقال الفراء : أراد ما بث في الأرض دون السماء ، وهو من نسبة ما في أحد الشيئين إليهما جميعا ؛ إذ يصدق أنه فيهما وإن كان في أحدهما ، على نمط قوله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " {[307]} وهما إنما يخرجان من الملح . ومن قبيل : بنو تميم فيهم شاعر مجيد ؛ وإنما هو في فخذ من أفخاذهم .
{ وما بث فيهما من دابة } : أي فرق ونشر من كل ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم .
{ وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } : أي للحشر والحساب والجزاء يوم القيامة قدير .
ومظهر آخر في قوله تعالى ومن آياته الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لربوبيته لسائر خلقه والمستلزمة لألوهيته على سائر عباده : { خلق السماوات والأرض } إيجادهما بما هما عليه من عجائب الصفة ، وما بث أي فرق ونشر فيهما من دابة تدب على الأرض ، أو ملك يسبح في السماء .
فهذا الخلق والإِبداع ناطق بربوبيته تعالى صارخ بألوهيته لعباده فلم إذاً يعبد غيره من مخلوقاته وتترك عبادته وفوق هذا المظهر للخلق والرزق والتدبير مظهر آخر وهو قدرته تعالى على جمع سائر خلقه في صعيد واحد ومتى ؟ وإنه بعد إفنائهم وتصييرهم عظاماً ورفاتا ، وهو معنى قوله : { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } .
- بيان حقيقة علمية ثابتة وهي أن المخالفة للقوانين يترتب عليه ضرر يصيب المخالف .
{ 29 } { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ }
أي : ومن أدلة قدرته العظيمة ، وأنه سيحيي الموتى بعد موتهم ، { خَلْقُ } هذه { السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } على عظمهما وسعتهما ، الدال على قدرته وسعة سلطانه ، وما فيهما من الإتقان والإحكام دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح دال على رحمته ، وذلك يدل على أنه المستحق لأنواع العبادة كلها ، وأن إلهية ما سواه باطلة .
{ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } أي : نشر في السماوات والأرض من أصناف الدواب التي جعلها اللّه مصالح ومنافع لعباده . { وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ } أي : جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة { إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ } فقدرته ومشيئته صالحان لذلك ، ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق ، وقد علم أنه قد تواترت أخبار المرسلين وكتبهم بوقوعه .
قوله تعالى : " ومن آياته خلق السماوات والأرض " أي علاماته الدالة على قدرته . " وما بث فيهما من دابة " قال مجاهد : يدخل في هذا الملائكة والناس ، وقد قال تعالى : " ويخلق ما لا تعلمون " {[13514]} [ النحل : 8 ] . وقال الفراء أراد ما بث في الأرض دون السماء ، كقوله : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " [ الرحمن : 22 ] إنما يخرج من الملح دون العذب . وقال أبو علي : تقديره وما بث في أحدهما ، فحذف المضاف . وقوله : " يخرج منهما " أي من أحدهما . " وهو على جمعهم إذا يشاء قدير " أي يوم القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.