قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض . . . } الآية قد تقدم الكلام على دلالة خلق السموات والأرض والحيوانات على وجود الإله الحكيم .
فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدابَّة على الملائكة ؟ ! .
الأول : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة ، وإن كان فاعله واحداً منهم كما يقال : «بَنُو فُلاَنٍ فَعَلُوا كََذَا » ، وإنما فعله واحدٌ م نهم ومنه قوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ }{[49325]} [ الرحمن : 22 ] .
الثاني : أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة ، والملائكة لهم الروح والحركة .
الثالث : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى خلق في السموات أنواعاً من الحيوانات يمشون مشي الأناس على الأرض . وروى العبَّاس ( رضي الله عنه ){[49326]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «فوق السماء السابعة بحر ( بين ){[49327]} أسفله وأعلاه كما بين السماء{[49328]} والأرض ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعاٍل بين رُكَبِهِنَّّ{[49329]} وأَظلاَفِهِنَّ كما بين السَّمَاءِ والأرْضِ ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِك العَرْش{[49330]} . . . » الحديث .
قوله : «وَمَا بَثَّ » يجوز أن تكون مجرورة المحل عطفاً على «السموات » أو مرفوعته عطفاً على «خلق » ، على حذف مضاف أي وخلق ما بثَّ . قاله أبو حيان{[49331]} . وفيه نظر ؛ لأنه يئول إلى جره بالإضافة «لِخَلق » المقدر{[49332]} فلا يعدل عنه .
قوله : «إذَا يَشَاءَ » «إذَا » منصوبة «بجَمْعِهِمْ » لا «بِقَدِيرٍ » ، قال أبو البقاء : لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء ، فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال{[49333]} . قال شهاب الدين : وَلاَ أدري ما وجه كونه محالاً على مذهب أهل السنة ، فإن كان يقول بقول المعتزلة ، وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده . ونقول : يجوز تعلق الظرف به أيضاً{[49334]} . قال الزمخشري : «إذا » تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي ، قال تعالى : { والليل إذا يغشى } ومنه : «إذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ »{[49335]} ، والمقصود أنه تعالى خلقها لا لعجز ولا لمصلحة ولهذا قال : { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } ، يعنى الجمع والحشر والمحاسبة{[49336]} .
احتج الجبَّائيُّ بقوله : إذا يشاء قدير على أن مشيئة الله تعالى محدثةٌ ، قال : لأن كلمة «إذا » ظرف لما ( لم ){[49337]} يستقبل من الزمان وكلمة «يَشَاءُ » صيغة المستقبل فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المستقبل فائدة ، ولما دل قوله : «إذَا يَشَاءُ » على التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة .
وأجيب : بأن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة فقد دخلتا أيضاً على لفظ «القَدِير » فلزم على هذا أن تكون قدرته صفة محدثة ، ولما كان هذا باطلاً فكذا القول في المشيئة{[49338]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.