تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ} (29)

الآية 29 وهو قوله : { ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بثّ فيهما من دابة } قوله تعالى { ومن آياته } يحتمل من آيات ربوبيته وتوحيده خلق السماوات والأرض وما ذكر ، أو من آيات حكمته وعلمه وتدبيره خلق ما ذكر ، أو من آيات قدرته وسلطانه ما ذكر ، أو من آيات إحسانه ونعمه وأياديه ما ذكر . وقد بيّنا وجه كل ذلك ودلالته على قدر فهمنا منه في ما تقدّم .

ثم اختلفوا في قوله : { وما بثّ فيهما من دابة } قال بعضهم : قوله تعالى : { وما بثّ فيهما } أي في الأرض خاصة . ألا ترى أنه قال : { من دابة } وهي اسم لما يدبّ ؟ وأهل السماء ملائكة ، ولهم الطيران دون الدّبيب ، وهو كقوله : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن : 22 ] وإنهما يخرج من أحدهما .

وقال بعضهم : { فيهما } أي في السماء/492-أ/ الملائكة ، وفي الأرض الدوابّ ، لكنه سمّى أهل السماء باسم ما في الأرض من الدواب ، وذلك جائز في اللغة : ذكر شيئين باسم أحدهما كقوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } [ البقرة : 45 ] والكناية ترجع إلى الصلاة لفظا . والمراد ما سبق من الصبر والصلاة . وكذا قوله : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها } كنّى عن التجارة وأراد كليهما ، ونحو ذلك . هذا ثم قوله { وما بثّ فيهما } قالوا : أي ينشر .

وقوله تعالى : { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } يحتمل ما ذكر من جمعهم بعثهم وإحياءهم { قدير } على ذلك كما هو قدير على ما ذكر من خلق السماوات والأرض ، وما ذكر ، والله أعلم .