فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ} (29)

ثم ذكر سبحانه بعض آياته الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده وصدق ما وعد به من البعث فقال : { وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي خلقهما على هذه الكيفية العجيبة ، والصنعة الغريبة ، الدالة على وجود صانع حكيم قادر ، وفيه إشارة إلى ما قرر في الكلام من المسالك الأربعة في الاستدلال على وجود الصانع تعالى ، وهي حدوث الجواهر ، وإمكانها ، وحدوث الأعراض القائمة بها ، وإمكانها أيضا ، وفيه إشارة أيضا إلى أن خلق السماوات والأرض من إضافة الصفة للموصوف ، أي السماوات المخلوقة والأرض المخلوقة .

{ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ } يجوز عطفه على خلق بتقدير مضاف ، ويجوز عطفه على السماوات ، وقدمه القاضي على الأول والدابة اسم لكل ما دبّ ، قال الفراء أراد ما بث في الأرض دون السماء كقوله { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } وإنما يخرج من الملح دون العذب وقال أبو علي الفارسي : تقديره وما بث في أحدهما فحذف المضاف ، قال مجاهد : يدخل في هذا الملائكة والناس ، وقد قال تعالى { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } قال الكرخي وما جوّزه الزمخشري من أن يكون للملائكة مشي مع الطيران فيوصفون بالدبيب كما وصف به الأناسي أو يخلق الله تعالى في السماوات حيوانات يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض بعيد من الأفهام لكونه على خلاف العرف العام ولأن الشيء إنما يكون آية إذا كان معلوما ظاهرا مكشوفا ومن ثم أهمل القاضي ذكره .

{ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ } أي حشرهم يوم القيامة ، في الضمير تغليب العاقل على غيره ، لأنه راجع إلى الدابة ، ولولاه لكان يقال : على جمعها { إِذَا } أي في وقت { يَشَاءُ قَدِيرٌ } والظرف متعلق بجمعهم لا بقدير ، فإن المقيد بالمشيئة جمعه تعالى لا قدرته ؛ قال أبو البقاء . لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال ، قال شهاب الدين والسمين ولا أدري ما وجه كونه محالا على مذهب أهل السنة فإن كان يقول بقول المعتزلة وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله تمشي كلامه ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده .