إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ} (29)

{ وَمِنْ آياته خَلْقُ السماوات والأرض } على ما هُما عليهِ من تعاجيب الصنائع فإنَّها بذاتها وصفاتِها تدلُّ على شؤونه العظيمةِ { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } عطفٌ على السماوات أو الخلق { مِن دَابَّةٍ } من حَيَ ، على إطلاقِ اسمِ المُسبَّبِ على السببِ أو ممَّا يدبُّ على الأرضِ فإنَّ ما يختصُّ بأحد الشيئين المتجاورين يصحُّ نسبتُه إليهما كَما في قولِه تعالَى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ سورة الرحمان ، الآية 22 ] وإنما يخرجُ من المِلحِ . وقد جُوِّز أنْ يكونَ للملائكة عليهم السَّلامُ مشيٌ مع الطيرانِ فيوصفُوا بالدبيب وأن يخلقَ الله في السماءِ حيواناً يمشُونَ فيها مشيَ الأنَاسيِّ على الأرض كما ينبئ عنْهُ قولُه تعالى : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل ، الآية 8 ] وقد رُويَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : «فوقَ السماءِ السابعةِ بحرٌ من أسفله وأعلاهُ كَما بينَ السماءِ والأرضِ ثمَّ فوقَ ذلكَ ثمانيةُ أو عالٍ بين رُكَبهن وأظلافهنَّ كما بينَ السماءِ والأرضِ ثم فوقَ ذلكَ العرشُ العظيمُ »{[713]} .

{ وَهُوَ على جَمْعِهِمْ } أي حشرِهم بعدَ البعثِ للمحاسبةِ . وقولُه تعالى : { إِذَا يَشَاء } متعلقٌ بما قبلَهُ لا بقوله تعالَى { قَدِيرٌ } فإنَّ المقيدَ بالمشيئةِ جمعُه تعالى لا قدرتُه ، وإذَا عندَ كونِها بمَعْنى الوقتِ كَما تدخلُ الماضِي تدخلُ المضارعَ .


[713]:أخرجه أبو داود في كتاب السنة باب (18) وابن ماجة في المقدمة باب (13) كما أخرجه أحمد في المسند (1/206).