{ والسماء والطارق } أقسم الله بالسماء وبالطارق . والمراد به هنا : النجم البادي بالليل ، وأصله : الآتي ليلا ؛ لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها ؛ ثم اتسع فيه فأطلق على كل ما يأتي ليلا ، ومنه النجم الطالع بالليل . وفي الإقسام بهما تفخيم لشأنهما ؛ لدلالتهما في عظم الشكل ، وبداعة الصنع – على عظيم قدرته تعالى .
سورة الطارق مكية وآياتها سبع عشرة ، نزلت بعد سورة البلد . وهي من السور المكية التي جاءت لتنبه الناس من غفلتهم إلى عظمة الخالق ، وفيها طرْقات عنيفة قوية عالية ، وصيحات بأناس غافلين لاهين ، تتوالى على حسهم بإيقاع واحد ، ونذير واحد . وهي نموذج واضح للسور المكية التي توجه الأنظار إلى هذا الكون وعظمته ، وأن خالق هذا الكون أكبر وأعظم . وقد جاء فيها : الطارق ، والثاقب ، والدافق ، والرّجع ، والصّدع .
افتتحت السورة بقسَم يشير إلى دلائل القدرة ، ويؤكد أن كل نفس عليها مهيمن ورقيب ، { إن كل نفس لما عليها حافظ } وطلبت أن يفكر الإنسان في نشأته ، وأنه خُلق من ماء دافق ، ليستدل بذلك على أن الذي أنشأه هكذا ، قادر على إعادته بعد موته . ثم ثنّت بقسم آخر على أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل ، ومع كونه كذلك فقد أصرّ الكفار على إنكاره والكيد له ، فردّ الله كيدهم بكيد أشدّ .
ثم ختمت السورة بطلب إمهال الكافرين { فمهِّل الكافرين أمهلهم رويدا } . وبيْن المشاهد الكونية والحقائق الموضوعية في السورة تناسق دقيق ملحوظ ، يتضح من استعراض هذه السورة الكريمة في سياقها القرآني الجميل .
طَرَق طَرْقا وطروقا : أتاهم ليلا ، وطَرَقَ النجم طروقا : طلع ليلا .
لقد أقسَم الله تعالى في مطلع هذه السورة بالسماء ونجومها اللامعة المضيئة ، أنّ النفوسَ لم تُترك سُدى ، ولن تبقى مهمَلة ، بل تكفَّل بها مَنْ يحفظها ويحصي أعمالَها ، وهو اللهُ تعالى .
وفي هذه تسليةٌ للرسول الكريم وأصحابِه ، ووعيدٌ للكافرين الجاحدين .
أُقسِم بالسماء وبالنجم الطالع ليلا . ولقد أقسَم الله تعالى بالسماء والشمس وبالقمر والليل ، لأن في أحوالِها وأشكالها وسَيْرِها ومطالِعها ومغاربها عجائبَ وأيَّ عجائب .
سورة الطارق{[1]}
مقصودها/بيان مجد القرآن في صدقه في الإخبار بتنعيم أهل الإيمان ، وتعذيب أهل الكفران ، في يوم القيامة حين تبلى السرائر وتكشف المخبآت [ الضمائر-{[2]} ] عن مثقال{[3]} الذر وما دون المثقال ، {[4]}مما دونته{[5]}الحفظة الكرام في صحائف الأعمال ، بعد استيفاء الآجال ، كما قدر في أزل الآزال{[6]} ، من غير استعجال ، ولا تأخير عن الوقت المضروب ولا إهمال ، واسمها الطارق أدل ما فيها على هذا الموعود الصادق بتأمل القسم والمقسم عليه حسب ما اتسق{[7]} الكلام إليه { بسم الله } الذي له{[8]} الكمال كله { الرحمن } الذي وسع الخلائق {[9]} فضله و{[10]} عدله { الرحيم* } الذي خص أولياءه بتوفيقه فظهر عليهم جوده {[11]}وإحسانه وكرمه{[12]} وفضله .
لما تقدم في-{[72584]} آخر البروج أن القرآن {[72585]}في لوح{[72586]} محفوظ لأن{[72587]} منزله محيط بالجنود من المعاندين وبكل شيء ، أخبر أن من إحاطته حفظ كل فرد من جميع الخلائق المخالفين-{[72588]} والموافقين المؤالفين ، ليجازى على أعماله{[72589]} يوم إحقاق الحقائق وقطع العلائق ، فقال مقسماً على ذلك لإنكارهم له : { والسماء } أي ذات الأنجم الموضوعة لحفظها من المردة لأجل حفظ القرآن-{[72590]} المجيد الحافظ لطريق الحق ، قال الملوي : و-{[72591]} المراد بها هنا-{[72592]} ذات الأفلاك الدائرة لا السماوات العلى بما{[72593]} جعل فيها من ليل ونهار ودورتهما{[72594]} ثلاثمائة وستين{[72595]} درجة لا تتغير أبداً في هذه الدار-{[72596]} بنقص ولا-{[72597]} زيادة بنصف درجة ولا دقيقة ولا ثانية ولا ما دون ذلك ، بل كلما زاد أحدهما شيئاً نقص من الآخر بحسابه عرف ذلك من العقل والنقل والتجربة فعرف أنه{[72598]} يحفظ حفيظ-{[72599]} حي لا يموت ، قيوم لا يغفل ولا ينام - انتهى{[72600]} .
ولما أقسم بالسماء لما لها من الشرف والمجد تنبيهاً على ما فيها من بدائع{[72601]} الصنع الدالة على القدرة الباهرة . أقسم بأعجب ما فيها وهو جنس النجوم ثم بأغربه وهو المعد للحراسة تنبيهاً على ما في ذلك من غرائب القدرة فقال : { والطارق } أي جنس الكواكب الذي يبدو ليلاً ويخفى نهاراً ، ويطرق مسترقي السمع فيبدد شملهم ويهلك من أراد الله منهم لأجل هداية-{[72602]} الناس بالقرآن في الطرق المعنوية وظهوره وإشراقه في السماء لهدايتهم في الطرق الحسية وهو في الأصل لسالك الطريق ، واختص عرفاً بالآتي ليلاً لأنه يجد الأبواب مغلقة فيحتاج إلى طرقها ، ثم استعمل للبادي فيه كالنجم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.