{ فسبح بحمد ربك } فنزهه عما لا يليق به ، بكل ذكر يدل على التنزيه ، حامدا له على أن صدق وعده زيادة في عبادته والثناء عليه ، لزيادة إنعامه عليك . أو فصّل له تعالى حامدا على نعمه . و " إذا " منصوب ب " سبح " ، والفاء غير مانعة منه على ما عليه الجمهور . { واستغفره } اطلب مغفرته ؛ وأمره به ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الترقي ؛ فإذا ترقى إلى مرتبة استغفر لما دونها . أو استغفاره مما هو خلاف الأولى في نظره الشريف . أو لتعليم أمته . أو مما كان يعرض له بمقتضى البشرية من الضجر والقلق عند إعراض قومه عنه ، وإبائهم السماع والقبول منه ، وإبطاء نصر الله له ، وللحق الذي جاء به . وقال القرطبي : إنه عليه الصلاة والسلام كان يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه ، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا فيستغفر منها . وقيل : الاستغفار تعبد يجب إتيانه في ذاته لا للمغفرة ؛ فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . { إنه كان توابا } كثير القبول لتوبة كثير من عباده التائبين . والجملة تعليل لما قبلها . وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس : " من أكثر من الاستغفار جعل الله تعالى له من كل هم فرجا " . وأنا أقول كما قال العلامة الآلوسي هنا : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله تعالى وأتوب إليه . وأسأله أن يجعل لي من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ؛ بحرمة كتابه الكريم ، وسيد أحبابه العظيم ، صلى الله عليه وسلم .
فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك ، ويسبح بحمده ويستغفره ، وأما الإشارة ، فإن في ذلك إشارتين : إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين{[1488]} ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله ، فإن هذا من الشكر ، والله يقول : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } ، وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين ، وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمرًا ، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان ، ودخل فيه ، ما لم يدخل في غيره ، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث ، فابتلاهم{[1489]} الله بتفرق الكلمة ، وتشتت الأمر ، فحصل ما حصل .
[ ومع هذا ] فلهذه الأمة ، وهذا الدين ، من رحمة الله ولطفه ، ما لا يخطر بالبال ، أو يدور في الخيال .
وأما الإشارة الثانية ، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا ، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل ، أقسم الله به .
وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار ، كالصلاة والحج ، وغير ذلك .
فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال ، إشارة إلى أن أجله قد انتهى ، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه ، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه .
فكان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن ، ويقول ذلك في صلاته ، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي " .
{ فسبح بحمد ربك واستغفره } قد ذكر التسبيح والاستغفار ، ومعنى بحمد ربك فيما تقدم .
فإن قيل : لم أمره الله بالتسبيح والحمد والاستغفار عند رؤية النصر والفتح ، وعند اقتراب أجله ؟ فالجواب : أنه أمر بالتسبيح والحمد ليكون شكرا على النصر والفتح وظهور الإسلام ، وأمره بذلك وبالاستغفار عند اقتراب أجله ، ليكون ذلك زادا للآخرة ، وعدة للقاء الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.