البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا} (3)

{ فسبح بحمد ربك } : أي ملتبساً بحمده على هذه النعم التي خولكها ، من نصرك على الأعداء وفتحك البلاد وإسلام الناس ؛ وأي نعمة أعظم من هذه ، إذ كل حسنة يعملها المسلمون فهي في ميزانه .

وعن عائشة : كان صلى الله عليه وسلم يكثر قبل موته أن يقول : " سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك " قال الزمخشري : والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية ، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفاً لأمته ، ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس ، فهو عبادة في نفسه .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة " ، انتهى .

وقد علم هو صلى الله عليه وسلم من هذه السورة دنو أجله ، " وحين قرأها عليه الصلاة والسلام استبشر الصحابة وبكى العباس ، فقال : «وما يبكيك يا عم ؟ » قال : نعيت إليك نفسك ، فقال : «إنها لكما تقول » ، فعاش بعدها سنتين " { إِنَّهُ كَانَ تَوبَا } : فيه ترجئة عظيمة للمستغفرين .