تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا} (3)

الآية3 : وقوله تعالى : { فسبح بحمد ربك } قال بعض أهل التأويل : أي صل بأمر ربك .

وأصله : ما ذكرنا في ما تقدم أن التسبيح هو التنزيه ، والتنزيه عن جميع معاني الخلق ، والوصف بما يليق به . قال : نزهه وبرّئه بالثناء عليه ، وصفه بالصفات العلا ، وسمه بالأسماء الحسنى التي علمك ربك .

ويحتمل أن يكون معنى قوله : { فسبح بحمد ربك } أي قل : سبحان الله وبحمده على ما جاء في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من دعائه : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه " ( مسلم 484/220 ) .

وهذا لأن " سبحان الله " حرف جامع يجمع جميع ما يستحق من الثناء عليه ، والوصف له بالعلو والعظمة والجلال ، والتنزيه عن جميع العيوب والآفات ، وعن جميع معاني الخلق ، جعل لهم هذا الجامع لما عرف عجزهم عن القيام بالوصف بجميع ما يستحق من الثناء عليه .

وكذلك حرف : " الحمد لله " هو حرف جامع يجمع جميع شكر ما أنعم عليهم ، جعل لهم ذلك لما عرف عجزهم وقلة شكر ما أنعم عليهم واحد بعد واحد .

وعلى ذلك يخرج قوله : " اللهم صل على محمد " ( البخاري6357 ) ، أمرهم أن يجعلوا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ( الأحزاب : 56 ) ولما لم يجعل في وسعهم القيام بما يستحقه أمرهم أن يقولوا : " اللهم صل على محمد " ، ليكون هو المتولي ذلك بنفسه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { واستغفره } قال أبو بكر الأصم : دل قوله تعالى : { واستغفره } على أن كان منه تقصير وتفريط في أمره ، حتى أمره{[24122]} بالاستغفار عن ذلك .

لكن هذا كلام وحش ، لا يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم /656 أ/ بالتقصير في شيء ، ولا بالتفريط في أمر ، ولكن قد جعل الله تعالى على كل أحد من نعمه وفضله وإحسانه في طرفة عين ولحظة بصر ما ليس في وسعه وطاقته القيام بشكر واحد منها ، وإن لطف ، وطال عمره .

فأمره بالاستغفار لما يتوهم منه التقصير في أداء شكر نعمه عن القيام بذلك ، أو أن يكون لأمته لا لنفسه .

فإن قال قائل : ما معنى أمره بالاستغفار ؟ وقد ذكر أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

فالجواب عنه من وجهين :

أحدهما : أنه يجوز أن يكون أمره{[24123]} بالاستغفار لأمته نحو قوله تعالى : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } ( محمد : 19 ) .

( والثاني : ){[24124]}أن يكون الله تعالى وعد له المغفرة إذا لزم الاستغفار ، ودام عليه .

وقوله تعالى : { إنه كان توابا } أي كان ، ولم يزل توابا ، ليس أن صار توابا بأمر اكتسبه ، وأحدثه ، على ما تقوله المعتزلة : إنه صار توابا .

ثم قوله تعالى : { توابا } ( يحتمل وجوها :

أحدهما : ){[24125]} على التكثير ، أي يقبل توبة بعد توبة ، أي إذا تاب مرة ، ثم ارتكب الحرم ، وعصاه ، ثم تاب ثانيا وثالثا ، وإن كثر فإنه يقبل توبته .

والثاني : توابا ، أي رجاعا يرجعهم ، ويردهم عن المعاصي إلى أن يتوبوا ، أي هو الذي يوفقهم إلى{[24126]} التوبة .

( والثالث : ){[24127]} قال { توابا } ولم يقل غفارا ، وحق مثله من الكلام أن يقال : إنه كان غفارا ، كما قال في آية أخرى : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } ( نوح : 10 ) .

ولكن المعنى عندنا أن المراد من الاستغفار ، ليس قوله : استغفر الله ، ولكن أن يتوب إليه ، ويطلب منه المغفرة بالتوبة { إنه كان توابا } .

( والرابع : ){[24128]} يجوز أن يكون فيه إضمار ، كأنه قال { واستغفره } ، وتب إليه { إنه كان توابا } .

{ والخامس : ){[24129]} يجوز ذكره{[24130]} الاستغفار في السؤال عن ذكره في الجواب اجتزاء{[24131]} بذكر التوبة ( منه ){[24132]} في الجواب عن ذكرها في السؤال ، ويجوز مثل هذا في الكلام .

ثم الدين اسم يقع على ما يدين به الإنسان حقا كان أو باطلا . وعلى ذلك أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدين به إلى نفسه ، وما دان به الكفرة إليهم حين{[24133]} قال : { لكم دينكم ولي دين } ( الكافرون : 6 ) .

وأما إضافته إلى الله تعالى حين{[24134]} قال : { يدخلون في دين الله أفواجا } ( الآية : 2 ) ( فهو ){[24135]} الدين الذي أمرهم به ، ودعاهم إليه . لذلك خرجت الإضافة والنسبة إليه . ( والله أعلم بالصواب ){[24136]} ( والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ){[24137]} .


[24122]:في الأصل وم: أمر
[24123]:في الأصل وم: أمر
[24124]:في الأصل وم: أو
[24125]:ساقطة من الأصل وم
[24126]:في الأصل وم: على
[24127]:في الأصل وم: ثم
[24128]:في الأصل وم: و
[24129]:في الأصل وم:و
[24130]:في الأصل وم: تذكر
[24131]:في الأصل وم: واجترى
[24132]:ساقطة من الأصل وم
[24133]:في الأصل وم: حيث
[24134]:في الأصل وم: حيث
[24135]:من م، ساقطة من الأصل
[24136]:من م، ساقطة من الأصل
[24137]:ساقطة من م