التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا} (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

{ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 ) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ( 2 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ( 3 ) } ( 1 – 3 ) .

تعليق على آيات السورة

ومداها وما روي في صددها

عبارة الآيات واضحة . والخطاب فيها موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما عليه الجمهور بدون خلاف . وقد ذكرنا ما ورد في صدد نزولها في المقدمة فلا ضرورة للإعادة .

وواجب التسبيح لله وحمده واستغفاره أصلي غير منوط بوقت . وليس الذي هنا بسبيل ذلك كما هو المتبادر ، وإنما هو على سبيل تلقين توكيد وجوبه إذا ما أتم الله على نبيه نعمته ، ويسر له الفتح والنصر ، وأقبل الناس على دين الله أفواجا .

وكل هذا خطير يستوجب مضاعفة ذلك الواجب من دون ريب ، والآيات بهذا الاعتبار تنطوي على تلقين مستمر المدى للمسلمين كجماعات بمقابلة نعم الله عز وجل بالشكر والحمد والاستغفار ، وبخاصة إذا كانت عامة متصلة بمصلحة المسلمين ونصرهم وتوطد أمرهم وانتشار دين الله وكلمته . ثم لكل مسلم إذا ما صار في ظرف من الظروف موضع رعاية الله وعنايته في تحقيق أمر خطير في دينه ودنياه .

وأسلوب الآيات توقيتي إذا صح التعبير ، أي أنه يوجب التسبيح والاستغفار حينما يجيء نصر الله ، ويدخل الناس في دين الله أفواجا . غير أن روحها يلهم أن ذلك الواجب قد وجب ، وأن ذلك المجيء قد جاء . والروايات والأحاديث التي أوردناها في صدد نزولها تؤيد ذلك كما هو المتبادر .

ومعظم المفسرين على أن الفتح المذكور في السورة هو فتح مكة ، حتى إنهم جعلوا تفسيرها وسيلة لإيراد قصة هذا الفتح . ولقد تم هذا الفتح في رمضان في السنة الثامنة للهجرة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة الحديد ، في حين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى في أوائل السنة الحادية عشرة .

والروايات التي أوردناها في المقدمة ذكر فيها أن السورة قد نزلت قبل وفاته بمدة قصيرة ، أقل من ثلاثة أشهر ، وهذا يجعلنا نرجح أن يكون ما عنته الآيات ليس فتح مكة وحسب ؛ بل مجموعة الانتصارات والفتوحات الضخمة التي يسرها الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى قبيل وفاته ، والتي بلغت ذروتها بفتح مكة الذي شرحنا قصته في سورة الحديد ، وبغزوة تبوك الكبرى التي شرحنا قصتها في سورة التوبة ، وبفتح الطائف التي ظلت مستعصية إلى السنة الهجرية التاسعة ، والتي لم تقتض حكمة التنزيل أن يشار إليها في القرآن ، ثم بسبيل الوفود التي أخذت تتدفق من جميع أنحاء جزيرة العرب على المدينة المنورة خلال السنتين التاسعة والعاشرة لمبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والدخول في دين الله أفواجا ، واستمر تدفقها إلى قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم بتوطد سلطان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام في جميع أنحاء الجزيرة العربية يمنها وتهامتها وحجازها وشرقها وشمالها مما ذكرنا بعض فصوله في سياق تفسير سورة التوبة ، ومما أطنبت به كتب السيرة والتاريخ القديمة ( 1 ){[2564]} ، وإعلان كون المشركين نجسا وحظر دخولهم المسجد الحرام ، وحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رأس حشد عظيم من المسلمين ، روي أنه بلغ أربعين ألفا أو أكثر – وهذا رقم عظيم في ذلك الوقت – حتى هتف الله تعالى بالمؤمنين ، أو هتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرددا هتاف الله – الذي نزل قبل هذا اليوم على ما محصناه في سياق أوائل سورة المائدة – { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ( 3 ) .

ختام السورة:

نبذة عن حجة الوداع النبوية

وحجة الوداع المشار إليها قد تمت في أواخر السنة الهجرية العاشرة . فلقد فتح الله تعالى على رسوله مكة في رمضان في السنة الثامنة ، ولم يكن الشرك قد اندحر بالمرة عن ربوعها . وكان المشركون ما يزالون يقومون بطقوس حجهم فيها ، فلم تشأ حكمة الله ورسوله أن يحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجته التامة والمشركون شركاء في حجه ، ولما كانت مكة وما جاورها قد دخلت في سلطانه فقد عين وزيره الصديق أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج في السنة التاسعة ، وأمره أن يعلن للملأ حظر دخول منطقة المسجد الحرام على المشركين ، وبراءة الله ورسوله منهم على ما شرحناه في سورة التوبة . فلما كانت السنة العاشرة خرج على رأس حشد عظيم من المسلمين من أهل المدينة وقبائلها ليحج بالناس حجة لا يشهدها إلا المسلمون ، وهي التي عرفت بحجة الوداع ؛ لأنه مات صلى الله عليه وآله وسلم بعدها بعد مدة قصيرة ، ونزلت فيها هذه السورة التي احتوت نعيا له ، وسميت سورة التوديع بسبب ذلك . وقد وافاه إلى مكة حشود عظيمة أخرى من المسلمين من مختلف أنحاء الجزيرة ، فكان أعظم حج تم في عهده ؛ بل نعتقد أنه كان أعظم حج وقع في عهده . وإذا كان عدد الذين اشتركوا في غزوة تبوك بلغ ثلاثين ألفا كما ذكرنا في سياق سورة التوبة ، فلا مبالغة في تخمين عدد الذين شهدوا هذا الحج بضعف هذا العدد ، وهو رقم عظيم جدا في ذلك الوقت .

وخبر حجة الوداع ورد مطولا بطرق مختلفة في كتب الحديث والسيرة والتاريخ القديمة ، مرويا عن التابعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد روى مسلم وأبو داود حديثا طويلا فيه وصف شائق لموكب الحج ، وكثير من أفعال وأقوال ومواقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التعليمية والتوضيحية والتشريعية والتهذيبية . فرأينا إيراده برمته . وهو مروي عن صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جابر بن عبد الله في أيام شيخوخته جوابا على سؤال من أحد التابعين . وهذا نصه ( 1 ){[1]} : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكث تسع سنين لم يحج ( 2 ){[2]} . ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعمل مثل عمله . . وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس ( 3 ){[3]} ، محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي واستثفري{[4]} بثوب وأحرمي . فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به . فأهل : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " . وأهل الناس بهذا الذين يهلون به ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم شيئا منه . ولزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلبيته . قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ( 5 ){[5]} ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ( البقرة : 125 ) فجعل المقام بينه وبين البيت ، وكان يقرأ في الركعتين : { قل هو الله أحد ( 1 ) } و { قل يا أيها الكافرون ( 1 ) } ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ( البقرة : ( 158 ) ابدءوا بما بدأ الله ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ، وقال : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . لا إله إلا الله وحده . أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " . ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات . ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى ، حتى أتى المروة ففعل عليهما كما فعل على الصفا . حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال : " لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة . فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة " ، فقام سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : " دخلت العمرة في الحج ، مرتين . لا ؛ بل لأبد أبد " ( 1 ){[6]} . وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر عليها فقالت : إن أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق ( 2 ){[7]} : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال : " صدقت صدقت . ماذا قلت حين فرضت الحج " ؟ قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك . قال : " فإن معي الهدي ، فلا تحل " . قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن ، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة . قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان معه هدي . فلما كان يوم التروية ( 1 ){[8]} توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ( 2 ){[9]} ، فسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت تصنع في الجاهلية ( 3 ){[10]} ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ( 4 ){[11]} ، فأتى بطن الوادي ( 5 ){[12]} ، فخطب الناس وقال : " إن دماءكم وأموالكم ( 6 ){[13]} حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا . ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع . ودماء الجاهلية موضوعة . وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن سبيعة بن الحارث ( 7 ){[14]} ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ( 8 ){[15]} . وربا الجاهلية موضوع . وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله . اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله . ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه . فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ( 9 ){[16]} . ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون عني . فما أنتم قائلون " ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها ( 1 ){[17]} إلى الناس : " اللهم اشهد " ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب حتى أتى الموقف ( 2 ){[18]} ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس . وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ( 3 ){[19]} ، ويقول أي يشير بيده اليمنى : " أيها الناس ، السكينة السكينة " كلما أتى جبلا من الجبال ( 4 ){[20]} ، أرخى لها قليلا حتى تصعد إلى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا . ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طلع الفجر ، وصلاه حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن العباس ، وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرت به ظعن ( 5 ){[21]} يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه ، حتى أتى بطن محسر ( 6 ){[22]} ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ( 7 ){[23]} ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربها من مرقها . ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأفاض إلى البيت وصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : " انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم " ( 1 ){[24]} . فناولوه دلوا فشرب منه ) .

وروى الشيخان وأحمد عن ابن عباس حديثا فيه بعض أقوال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة وداعه جاء فيه : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس يوم النحر فقال : " يا أيها الناس أي يوم هذا " ؟ قالوا : يوم حرام . قال : " فأي بلد هذا " ؟ قالوا : بلد حرام . قال : " فأي شهر هذا " ؟ قالوا : شهر حرام . قال : " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " ، فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه فقال : " اللهم هل بلغت ؟ اللهم هل بلغت ؟ فليبلغ الشاهد الغائب . لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " . قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته ) ( 2 ){[25]} . وفي رواية : ( وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بين الجمرات في حجته التي حج بها وقال : " هذا يوم الحج الأكبر " . وطفق يقول : " اللهم اشهد " . وودع الناس ، فقالوا : هذه حجة الوداع ) ( 3 ){[26]} .

وفي كل من سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد ( 4 ){[27]} فصل طويل مسلسل الرواة إلى أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو تابعيهم متطابق مع هذا الحديث ، مع بعض زيادات مهمة فيها تعليم وتشريع وتهذيب . فمما جاء في فضله في طبقات ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما شاهد الكعبة عند قدومه إلى مكة قال : " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرا " ، وأنه وقف بالهضاب في عرفات وقال : " كل عرفة موقف إلا بطن عرفة " . وحينما جاء إلى المزدلفة قال : " كل المزدلفة موقف إلا بطن محسر " ، وأنه بعد نحر الهدي حلق رأسه ، وأخذ شاربه وعارضيه ، وقلم أظفاره ، وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن ، ثم أصاب الطيب ، ولبس القميص ، ونادى مناديه : " إن أيام منى هي أيام أكل وشرب " ، ثم أقام ثلاث ليال في مكة ، وقال : " إنما هن ثلاث يقيمهن المهاجر بعد الصدر " ، ثم ودع البيت وانصرف راجعا إلى المدينة .

وروي في الفصل جواب لأنس بن مالك على سؤال عما إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بالعمرة والحج معا أم أفرد ؟ فقال : إنه أهل بهما معا ، وهذا هو المستفاد من الحديث الطويل السابق . ومما ورد في الفصل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل للمسلمين الخيار بالإفراد بين العمرة والحج ، أو القران بينهما . وقال لمن سألوه : " من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة ، وتمتعوا بالعمرة إلى الحج " ، وأنه دخل الكعبة بعد أن خلع نعليه ، ولما عاد إلى أهله قال لعائشة : فعلت أمرا ليتني لم أفعله ، دخلت البيت ، ولعل الرجل من أمتي لا يقدر على أن يدخله فينصرف وفي نفسه حزازة . إنما أمرنا بالطواف ، ولم نؤمر بالدخول . وقال حين وقف في عرفات : " الحج عرفات ، أو يوم عرفة . من أدرك ليلة جمع ( 1 ){[28]} قبل الصبح فقد تم حجه " ، وقال في موقف آخر : " أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ، وإنها ليست أيام صيام ، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر " . ومما روي من أقواله في خطبة الوداع : " إن الله قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث ، فلا يجوز لوارث وصية . ألا وإن الولد للفراش ، وللعاهر الحجر . ألا ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . يا أيها الناس ، اسمعوا وأطيعوا ، وإن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع إذا أقام فيكم كتاب الله . أرقاءكم أرقّاءكم . أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون . وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم . ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه " . وقال لبعض المسلمين حين رآه يتشدد في اختيار الجمرات : " إياكم والغلو في الدين ، إنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " .

ومما رواه ابن هشام من زيادة في خطبته : " أيها الناس ، إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا . ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم . أيها الناس ، إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما أحل الله . وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض . وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم : ثلاثة متوالية ، ورجب مضر الذي بين جمادى ورجب . أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا . من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه . أيها الناس ، لتعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم ، وأن المسلمين أخوة . فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه . فلا تظلمن أنفسكم . ألا إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ، أمرا بينا : كتاب الله وسنة نبيه " . وهتف في آخر خطبته " اللهم هل بلغت ؟ " فهتف الناس : نعم . فقال : " اللهم فاشهد " .

ومما رواه ابن هشام -وفيه تعليم لمناسك الحج- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة . وأن عائشة رضي الله عنها حاضت وبكت ، وقالت : والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي هذا ، فقال : " لا تقولن ذلك ، فإنك تقضين كل ما يقضي الحج ، إلا أنك لا تطوفين بالبيت " ( 1 ){[29]} . وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حل كل من كان لا هدي له معه ، وحل نساءه بعمرة . ولم يحل هو معهم ، وقال : " إني أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي " ، وإن هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من البقر ، ونحره يوم النحر . وإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجع من بعثه الذي بعثه به إلى اليمن أثناء الحج ، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطوف ويحل كما فعل أصحابه . فقال له : " إني أهللت يا رسول الله كما أهللت " ، فأعاد عليه القول فقال : يا رسول الله ، إني قلت حين أحرمت : اللهم أني أهل بما أهل به نبيك وعبدك ورسولك . فقال : " فهل معك من هدي " ؟ قال : لا ، فأشركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هديه ، وثبت على إحرامه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين وقف على المرتفع الذي وقف عليه هذا الموقف ثم قال : " وكل عرفة موقف " . وقال حين وقف على هضبة صبيحة المزدلفة هذا الموقف ، ثم قال : " وكل المزدلفة موقف " . ولما نحر بالمنحر بمنى قال : " هذا المنحر وكل منى منحر " .

وهكذا كانت هذه الحجة المباركة من أعظم مشاهد الرسالة المحمدية ، وتتويجا رائعا لها .

نبذة في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته

ولحظاته الأخيرة وصفته

وأما وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كانت على أشهر الروايات ( 1 ){[30]} في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة ، عن ثلاث وستين سنة ( 2 ){[31]} . ولا تذكر الروايات المرض الذي مات به ، وكل ما جاء فيها أنها ألمت به حمى رافقها صداع . وأن العباس عمه رضي الله عنه ظن أنها ذات الجنب ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما كان الله ليقذفني بهذا الداء ، ولم يطل مرضه إلا نحو أسبوعين ، ولما شعر بثقل وجعه استأذن من نسائه بالانتقال إلى بيت عائشة تحقيقا لفكرة العدل بينهن ، فأذن له حيث مات في بيتها ودفن فيه ، وهو المكان المدفون فيه إلى اليوم على التحقيق ، صلوات الله وسلامه عليه .

ومما رواه ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جوف الليل مع أبي مويهبة مولاه ، وقال له : " إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع ، فانطلق معي " ، فلما وقف بين أظهرهم قال : " السلام عليكم يا أهل المقابر . ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه . أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، والآخرة شر من الأولى " ، ثم قال : " يا أبا مويهبة . إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " ، فقال أبو مويهبة : بأبي أنت وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة . قال : " لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنة " . ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدأ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه الذي قبضه الله فيه . ولقد خرج في بعض مرضه عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر فصلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ، فأكثر من الصلاة عليهم . ثم قال : " يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيرا ، فإن الناس يزيدون ، وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد ، وإنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها ، فأحسنوا إلى محسنيهم ، وتجاوزوا عن مسيئيهم " . ثم قال : " أيها الناس ، إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وما عنده فاختار ما عنده " ، ففهمها أبو بكر فبكى ، وقال : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال : " على رسلك يا أبا بكر " ، ثم قال : " انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدوها إلا باب أبي بكر ، فإني لا أعلم أحدا كان أفضل من الصحبة عندي يدا منه . وإني لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صحبة وإخاء إيمان ، حتى يجمع الله بيننا عنده " ( 1 ){[32]} . ولما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوجع جاء بلال يدعوه إلى الصلاة فقال : " مروا من يصلي بالناس " ، فخرج فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائبا ، فقلت : قم يا عمر فصل بالناس ، فقام ، فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوته وكان رجلا مجهرا ، فقال : " فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون . يأبى الله ذلك والمسلمون " . ثم بعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر الصلاة فصلى بالناس . وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد هيأ جيشا ، وعين لقيادته أسامة بن زيد ، ليذهب إلى مؤتة في البلقاء ، لينتقم لجيش ذهب بقيادة أبي أسامة في السنة السابعة الهجرية ، واستشهد أبوه مع عدد من المسلمين ، فاستبطأ حركة سير الجيش ، وسمع أن بعض الناس ينتقدون قيادة أسامة ؛ لأنه لا يزال فتى يافعا ، فخرج مرة أخرى عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة . فلعمري لئن قلتم في إمارته ، لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله . وإنه لخليق بالإمارة . وإن كان أبوه لخليقا بها " ، ووصف له بعضهم دواء يسقونه إياه وهو غائب عن وعيه من الحمو ، فقال عمه : لأدلنه ( أي لأسقينه الدواء بالقوة ) فلدوه ، فلما أفاق قال : " من صنع بي هذا " ؟ قالوا : عمك . فقال العباس : هذا دواء أتى به نساء جئن من الحبشة . قال : " ولم فعلتم ذلك " ؟ فقال عمه : خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب . فقال : " إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفني به . لا يبق في البيت أحد إلا لُد ، إلا عمي ، فلدوا عقوبة لهم بما صنعوا به " . وفي يوم الاثنين الذي قبض فيه خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح بإمامة أبي بكر ، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم حين رأوه فرحا به ، فتبسم صلوات الله عليه فرحا من هيئتهم في صلاتهم . وتفرجوا له ( أوسعوا له ) فأشار أن اثبتوا . وشعر أبو بكر بالحركة فعرف أنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأراد أن يتأخر له ، فأشار له أن يبقى ، ثم صلى جالسا إلى جانبه ، وقال أنس راوي هذا : إنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن هيئة منه في تلك الساعة ، وقد أقبل على الناس يكلمهم بصوت مرتفع فقال : " يا أيها الناس ، سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني والله ما تمسكون علي بشيء . إني لم أحل إلا ما أحل القرآن . ولم أحرم إلا ما حرم القرآن " . وقد اطمأن أبو بكر واستأذنه بالذهاب إلى بيته في محلة السنح قائلا له : إني أراك بفضل الله ونعمته قد أصبحت بخير ، فأذن له . غير أن الضحاء لم يكد يشتد حتى توفاه الله .

ومما رواه ابن هشام متسلسلا إلى عائشة أنها قالت : " كان آخر عهد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان . وآخر كلمة سمعتها منه لما حضرته الوفاة قوله : " بل الرفيق الأعلى " . قالت : ففهمت أن الله تعالى خيره فاختاره ؛ لأنه كان يقول : " إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره " . وما كان إلا أن يختار الله علينا . وكان آخر ما فعله أنه رأى عود أراك في يد قريب لعائشة ، فنظر إليه فعرفت أنه يحب أن يستن فمضغته له حتى لان ، ثم أعطته إياه ، فاستن كأشد ما رأته يستن بسواك قط ( 1 ){[33]} .

ومما رواه ابن هشام مسلسلا إلى عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجعه فسأله الناس : كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئا ، فأخذ العباس بيده وقال له : أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب . فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس . فقال علي : إني والله لا أفعل . والله لئن منعناه لا يؤتينا أحد بعد . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين اشتد الضحاء من ذلك اليوم .

كان مما رواه ابن هشام أنه لما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام عمر فقال : إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توفي . وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما مات . ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران . فقد غاب أربعين ليلة عن قومه ثم رجع إليهم بعد أن قيل مات . والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات . وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد وعمر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة ، فأقبل كشف عن وجهه ثم قبله ، وقال : بأبي أنت وأمي . أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا . ثم رد البردة على وجهه ، ثم خرج وعمر يكلم الناس ، فقال : على رسلك يا عمر ، أنصت ، فأبى إلا أن يتكلم ، فأقبل على الناس ، فلما سمعوا كلامه أقبلوا عليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . ثم تلا قول الله { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ( 144 ) } ( آل عمران ) . فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ ، وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم . قال أبو هريرة : قال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها حتى عقرت ووقعت إلى الأرض ، ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات . وقد تولى غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضيل بن عباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضوان الله عليهم . ولم يجردوه بتاتا ؛ بل أبقوا قميصه عليه ، وغسلوه من تحته . ثم كفن في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين ( 1 ){[34]} ، وبرد حبرة أدرج فيه إدراجا ، ثم وضع على سريره . وأدخل الناس عليه للصلاة أرسالا . فصلى عليه الرجال ، حتى إذا فرغوا أدخل النساء ، ثم الصبيان ، ولم يؤم الناس أحد . واختلفوا في محل دفنه ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " ما قبض من نبي إلا دفن حيث يقبض " ، فدفن في بيت عائشة وسط الليل ليلة الأربعاء . وقد تولى دفنه علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضوان الله عليهم .

وما تقدم كله مقتبس من ابن هشام ، وكثير منه وارد في تاريخ الطبري . وفي هذا بعض روايات لم ترد في ابن هشام ، وهي مسلسلة الرواة إلى أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . من ذلك عن عائشة والفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتد به الوجع فقال : " أهريقوا علي من سبع قرب من آبار شتى ، حتى أخرج إلى الناس فأعهد عليهم " ، فأقعدناه في مخضب ، ثم صببنا عليه الماء حتى قال : " حسبكم حسبكم " ، ثم خرج وقد عصب رأسه ، وأخذ الفضل بن العباس بيده ، حتى جلس على المنبر ، وأمر بنداء الناس فاجتمعوا ، فقال : " أما بعد أيها الناس ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم ، فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه . ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ، ولا من شأني . ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقا إن كان له ، أو حللني فلقيت الله وأنا طيب الناس . وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مرارا " . ثم نزل فصلى الظهر ، ورجع فجلس على المنبر ، فعاد لمقالته الأولى ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إن لي عندك ثلاثة دراهم . قال : " أعطه يا فضل " ، ثم قال : " يا أيها الناس ، من كان عنده شيء فليؤده ، ولا يقل فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة " ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله . قال : ولم غللتها ؟ قال : " كنت إليها محتاجا " ، قال : " خذها منه يا فضل " . ثم قال : " يا أيها الناس ، من خشي من نفسه شيئا فليقم أدع له " ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إني لكذاب ، إني لفاحش ، وإني لنؤوم . فقال : " اللهم ارزقه صدقا وإيمانا ، وأذهب عنه النوم إذا أراد " . ثم قام رجل فقال : والله يا رسول الله ، إني لكذاب وإني لمنافق . وما من شيء إلا قد جنيته ، فقام عمر بن الخطاب فقال : فضحت نفسك أيها الرجل . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " يا ابن الخطاب ، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة . اللهم ارزقه صدقا وإيمانا ، وصير أمره إلى خير " .

ومن ذلك عن عبد الله بن مسعود أن نبينا وحبيبنا نعى إلينا نفسه قبل موته بشهر ، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة ، فنظر إلينا وشدد ، فدمعت عينه وقال : " مرحبا بكم رحمكم الله ، آواكم الله ، حفظكم الله ، رفعكم الله ، نفعكم الله ، وفقكم الله ، نصركم الله ، سلمكم الله ، قبلكم الله . أوصيكم بتقوى الله ، وأوصي الله بكم ، وأستخلفه عليكم ، وأؤديكم إليه . إني لكم نذير وبشير ، لا تعلوا على الله في عباده وبلاده ، فإنه قال لي ولكم : { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ( القصص : 83 ) . وقال : { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } ( الزمر : 60 ) " .

فقلنا : متى أجلك ؟ قال : " قد دنا الفراق ، والمنقلب إلى الله إلى سدرة المنتهى " . قلنا : فمن يغسلك يا نبي الله ؟ قال : " أهلي ، الأدنى فالأدنى " . قلنا : " ففيم نكفنك " ؟ قال : " في ثيابي هذه إن شئتم ، أو في بياض مصر ، أو حلة يمانية " . قلنا : " فمن يصلي عليك " . قال : " مهلا ، غفر الله لكم ، وجزاكم عن نبيكم خيرا " ، فبكينا وبكى ، وقال : " إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ، ثم اخرجوا عني ساعة ، فإن أول من يصلي علي جليسي وخليلي جبريل ، ثم مكائيل ، ثم إسرافيل ، ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها . ثم ادخلوا علي فوجا فوجا ، فصلوا علي وسلموا تسليما ، ولا تؤذوني بتزكية ولا برنة ولا صيحة . وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ، ثم نساؤهم ، ثم أنتم بعد ، أقرءوا أنفسكم السلام ، فإني أشهدكم أي قد سلمت على من بايعني على ديني من اليوم إلى يوم القيامة " . قلنا : فمن يدخلك في قبرك يا نبي الله ؟ قال : " أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم " .

ومن ذلك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه فقال : " ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا " . فتنازعوا ، ولا ينبغي أن يتنازع عند نبي ، فقالوا : ما شأنه أهجر ( يعني هل يهذي من شدة الوجع ) ، استفهموه ، فذهبوا يعيدون عليه فقال : دعوني ، فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه . وأوصى بثلاث قال : " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم " ، وسكت عن الثالثة عمدا ، أو قال فنسيتها ) .

أما صفته صلى الله عليه وآله وسلم فهناك روايات عديدة متقاربة بعضها مقتضب ، وبعضها مسهب ، وقد روى ابن سعد عن أبي هالة التميمي وصفا رواه عن ابن أخته الحسن بن علي الذي سأل خاله عن صفته ، وكان وصافا فقال : ( 1 ){[35]} : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخما مفخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر . أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ( 2 ){[36]} . عظيم الهامة ، رجل الشعر ، إن انفرقت عقيصته ( 3 ){[37]} فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره ( 1 ){[38]} أزهر اللون . واسع الجبين . أزج الحواجب سوابغ في غير قرن . بينهما عرق يديره الغضب أقنى ( 2 ){[39]} العرنين . له نور تعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم . كث اللحية . ضليع الفهم . مفلج الأسنان ، دقيق المسربة . كأن عنقه جيد دمية ( 3 ){[40]} . في صفاء الفضة . معتدل الخلق . بادنا متماسكا سواء البطن والصدر . عريض الصدر . بعيد ما بين المنكبين . ضخم الكراديس ( 4 ){[41]} . أنور المتجرد ( 5 ){[42]} . موصول ما بين اللبة ( 6 ){[43]} والسرة بشعر يجري كالخط . عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك . أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر . طويل الزندين . رحب الراحة . سبط القصب . شثن الكفين والقدمين . سائل الأطراف . خمصان الأخمصين . مسيح القدمين ينبو عنهما الماء . إذا زال زال قلعا ( 7 ){[44]} . يخطو تكفؤا ، ويمشي هونا . ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب . وإذا التفت التفت جميعا . خافض الطرف . نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء . يعني جل نظره الملاحظة . يسبق أصحابه . يبدر من لقي بالسلام . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متواصلا للأحزان . دائم الفكرة . ليست له راحة . لا يتكلم في غير حاجة . طويل السكت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه . ويتكلم بجوامع الكلم ، فصل لا فضول ولا تقصير . دمثا ليس بالجافي ولا المهين . يعظم النعمة وإن دقت . لا يذم منها شيئا . لا يذم ذواقا ولا يمدحه . لا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له . لا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها . إذا أشار أشار بكفه كلها . إذا تعجب قلبها . وإذا تحدث اتصل بها . يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى . وإذا غضب أعرض وأشاح . وإذا فرح غض طرفه . جل ضحكه التبسم . ويفتر عن مثل حب الغمام . وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه . ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس ، فيسرد ذلك على العامة بالخاصة . ولا يدخر عنهم شيئا . يؤثر أهل الفضل ناديه . وقسمه على قدر فضلهم في الدين . وكان يقول : " ليبلغ الشاهد الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته . فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة " . لا يذكر عنده إلا ذلك ، ولا يقبل من أحد غيره . لا يجلس ولا يقوم إلا ذكر . لا يوطن الأماكن ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك . يعطي كل جلسائه بنصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه ، أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف . ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها ، أو بميسور من القول . قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ، فصار لهم أبا ، وصاروا في الحق عنده سواء . مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة . لا ترفع فيه الأصوات . ولا تؤبن ( 1 ){[45]} فيه الحرم ، ولا تثنى فلتاته ( 2 ){[46]} ، متعادلين ، يتفاضلون فيه بالتقوى . متواضعين يوقرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون أو يحوطون الغريب ، وكان دائم البشر سهل الخلق . لين الجانب . ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب ، ولا فحاش ، ولا عياب . يتغافل عما لا يشتهي . ولا يدنس منه ، ولا يجنب فيه . قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار مما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته . ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه . إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا . ولا يتنازعون عنده ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده . فكان يضحك مما يضحكون ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، ويقول : " إذا رأيتم طالب الحاجة بطلبها فأردفوه " ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام . وكان سكوته على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقرير ، والتفكير . فأما تقريره ففي تسوية النظر والاستماع من الناس ، وأما تذكره أو تفكره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع الحلم والصبر ، وكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه . وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسنى ليقتدى به . وتركه القبيح ليتناهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته . والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة .

صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وتسليما دائمين متناسبين مع جلالة قدره ، وعظمة أخلاقه ، وبالغ جهده في سبيل تبليغ رسالة ربه ، ونشر دينه .


[2564]:انظر طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 – 121 و ج 3 ص 166 – 241 وابن هشام ج 4 جميعه وتاريخ الطبري ج 2 ص 351 وما بعدها، وملخص ذلك في الجزء السادس من كتابنا تاريخ الجنس العربي.

[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[4]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[5]:انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري
[6]:تفسير الخازن
[7]:التاج ج 2 ص 300 والمقصود أن الحمو هو غير المحرم من أقارب الزوج.
[8]:التاج ج 2 ص 301
[9]:التاج ج 2 ص 301
[10]:المصدر نفسه ص 300
[11]:المصدر نفسه ص 287
[12]:التاج ج 2 ص 287
[13]:المصدر نفس ص 286
[14]:التاج ج 2 ص 271 و 272 ونكتفي بهذا الحديث ليرجع من شاء إلى كتب الحديث فيجد عشرات الأحاديث التي تستند ما قلناه.
[15]:المصدر نفسه.
[16]:التاج 1/107
[17]:انظر المصدر نفسه
[18]:المصدر نفسه
[19]:المصدر نفسه
[20]:المصدر نفسه
[21]:التاج ج 5 ص 29 ـ 30
[22]:المصدر نفسه
[23]:المصدر نفسه
[24]:المصدر نفسه ص 38
[25]:المصدر نفسه
[26]:التاج ج 1 ص 51
[27]:هناك أحاديث أخرى في الرياء فاكتفينا بما تقدم وننبه على أن هناك أحاديث فيها استدراكات يحسن أن يساق بعضها للتوضيح من ذلك حديث رواه الترمذي جاء فيه (قال رجل: يا رسول الله الرجل يعمل العمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه ذلك. قال رسول الله: له أجران أجر السر وأجر العلانية) التاج ج 1 ص 51 وحديث رواه أبو داود جاء فيه (وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل حبب إلي الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يوفقني أحد بشراك نعلي، أفمن الكبر مكن ذلك؟ قال: لا ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس) التاج ح 5 ص 31 حيث يفيد الحديثان أن الإنسان لا يؤاخذ، إلا ا أراد بما يفعل مراءاة الناس أو إظهار الكبر والخيلاء
[28]:انظر التاج ج 5 ص 35
[29]:التاج ج 4 ص 82
[30]:التاج ج 2 ص 266 و 267
[31]:المصدر نفسه ص 267 و 268
[32]:المصدر نفسه
[33]:التاج ج 2 ص 299
[34]:المصدر نفسه
[35]:المصدر نفسه ص 271
[36]:التاج ج 2 ص 253 و 254 و 259
[37]:المصدر نفسه
[38]:المصدر نفسه ص 257 و 258 والمتبادر أن مرد تفضيل ذات الدين إلى أن الوفاء وحسن الأخلاق والأمانة وحسن المعاشرة والاستقامة كل ذلك مضمون في حين لا يكون مضمونا بالصفات الثلاث الأخرى
[39]:المصدر نفسه
[40]:المصدر نفسه
[41]:المصدر السابق نفسه
[42]:التاج ج 2 ص 260ـ 275 وفي كتب الحديث أحاديث كثيرة أخرى فاكتفينا بما تقدم هنا، وقد أوردنا منها طائفة في مناسبات سابقة، وسنورد طائفة أخرى في مناسبات آتية إن شاء الله
[43]:المصدر نفسه
[44]:المصدر نفسه
[45]:المصدر نفسه
[46]:- يعني المسلمين.