لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا} (3)

{ فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } يعني فإنك حينئذ لاحق به . ( ق ) عن ابن عباس : قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم : لم يدخل هذا الفتى معنا ، ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم . قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم . قال : وما رأيت أنه كان دعاني يومئذ إلا ليريهم مني . قال : ما تقولون في قول الله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ، ونستغفره إذ نصرنا ، وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا . فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ قال : قلت : لا . قال : فما هو ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه ، فقال { إذا جاء نصر الله والفتح } ، فذلك علامة أجلك { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } . قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم . ( ق ) عن عائشة قالت : " ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن أنزلت عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } إلا يقول فيها : " سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " . في رواية قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن ، وفي رواية قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر القول من سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه . وقال : " أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي . فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه . قد رأيتها { إذا جاء نصر الله والفتح } فتح مكة ، { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } " . قال ابن عباس : لما نزلت هذه السورة علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعيت إليه نفسه .

وقال الحسن : أعلم أنه قد اقترب أجله ، فأمر بالتسبيح والتوبة ، ليختم بالزيادة في العمل الصالح . قيل : عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين ، وقيل في معنى السورة : { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا } فاشتغل أنت بالتسبيح والتحميد ، والاستغفار ، فالاشتغال بهذه الطاعة يصير سببا لمزيد درجاتك في الدنيا والآخرة .

وفي معنى التسبيح وجهان : أحدهما نزه ربك عما لا يليق بجلاله ، ثم احمده .

والثاني فصل لربك ؛ لأن التسبيح جزء من أجزاء الصلاة ، ثم قيل : عني به صلاة الشكر ، وهو ما صلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ثماني ركعات .

وقيل : هي صلاة الضحى . وفي الآية دليل على فضيلة التسبيح والتحميد ، حيث جعل ذلك كافيا في أداء ما وجب عليه من شكر نعمة النصر والفتح .

فإن قلت : ما معنى هذا الاستغفار ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟

قلت : إنه تعبد الله بذلك ليقتدي به غيره ؛ إذ لا يأمن كل واحد من نقص يقع في عبادته واجتهاده ، ففيه تنبيه على أن النبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته وشدة اجتهاده ما كان يستغني عن الاستغفار ، فكيف بمن هو دونه ؟ وقيل : هو ترك الأفضل والأولى لا عن ذنب صدر منه صلى الله عليه وسلم . وعلى قول من جوز الصغائر على الأنبياء يكون المعنى : واستغفره لما عسى أن يكون قد وقع من تلك الأمور منه . وقيل : المراد منه الاستغفار لذنوب أمته ، وهذا ظاهر ؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله{ واستغفر لذنبك ، وللمؤمنين ، والمؤمنات } والله سبحانه وتعالى أعلم .