الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا} (3)

{ فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } فقل سبحان الله ، حامداً له ، أي : فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم ، واحمده على صنعه .

أو : فاذكره مسبحاً حامداً ، زيادة في عبادته والثناء عليه ، لزيادة إنعامه عليك . أو فصل له . روت أمّ هانيء أنه لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثماني ركعات . وعن عائشة : كان عليه الصلاة والسلام يكثر قبل موته أن يقول : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك " . والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين : من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية ، ليكون أمره بذلك مع عصمته لطفاً لأمته ، ولأنّ الاستغفار من التواضع لله وهضم النفس ، فهو عبادة في نفسه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأستغفر في اليوم والليلة مائة مرة " . وروي : أنه لما قرآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه استبشروا ، وبكى العباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما يبكيك يا عم » ؟ قال : نعيت إليك نفسك . قال : «إنها لكما تقول » ، فعاش بعدها سنتين لم ير فيهما ضاحكاً مستبشراً . وقيل : إن ابن عباس هو الذي قال ذلك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أوتي هذا الغلام علماً كثيراً " . وروي : أنها لما نزلت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين لقائه ، فاختار لقاء الله " ، فعلم أبو بكر رضي الله عنه ، فقال : فديناك بأنفسما وأموالنا وآبائنا وأولادنا . وعن ابن عباس أن عمر رضي الله عنهما كان يدنيه ، ويأذن له مع أهل بدر ، فقال عبد الرحمن : أتأذن لهذا الفتى معنا وفي آبائنا من هو مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم . قال ابن عباس : فأذن لهم ذات يوم ، وأذن لي معهم ، فسألهم عن قول الله تعالى : { إِذَا جَاء نَصْرُ الله } ولا أراه سألهم إلاّ من أجلي ؛ فقال بعضهم : أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه ؛ فقلت : ليس كذلك ، ولكن نعيت إليه نفسه ، فقال عمر : ما أعلم منها إلاّ مثل ما تعلم ، ثم قال : كيف تلومونني عليه بعدما ترون ؟ وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه دعا فاطمة رضي الله عنها فقال : " يا بنتاه إنه نعيت إليّ نفسي " ، فبكت ، فقال : " لا تبكي ، فإنك أوّل أهلي لحوقاً بي " . وعن ابن مسعود أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع .

{ كَانَ تَوَّاباً } أي : كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين تواباً عليهم إذا استغفروا ، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك .

ختام السورة:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة إذا جاء نصر الله أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد يوم فتح مكة " .