الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ} (83)

قوله : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) [ 82 ] .

مَن قرأه بالضم( {[2778]} ) ، فمعناه عند الزجاج قولاً ذا حسن( {[2779]} ) .

وقال الأخفش : " الضم والفتح بمعنى واحد بمنزلة البُخْلُ والبَخَلُ والسُّقْمُ والسَّقَمُ " ( {[2780]} ) .

وقيل : إن مَن قرأ بالفتح( {[2781]} ) فهو نعت لمصدر محذوف . واستقبح( {[2782]} ) المبرد : " مَرَرْتُ بِحَسَنٍ " على إقامة الصفة مقام الموصوف . وقد جاء هذا في القرآن بإجماع ، قال الله تعالى : ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ )( {[2783]} ) ، ولم يقل : جِبَالاً رَوَاسِيَ : وقال : ( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ )( {[2784]} ) ، ولم يقل : " دُرُوعاً( {[2785]} ) سَابِغاتٍ " .

واختار بعض المتعقبين الضم لأن " الحُسْنَ " الاسم الذي يحوي ما تحته( {[2786]} ) ويعمه ، و( {[2787]} ) " الحَسَنُ " إنما هو الشيء الحَسَنُ لا يعم غير ما هو نعت له ، والعموم أكمل في المعنى هنا ، لأنها( {[2788]} ) وصية بالخير . فَفِعلُه كله ، والأمر به أولى مِن فِعل بعضه ، والأمر ببعضه دون بعض( {[2789]} ) .

وحكى/ الأخفش : " حُسْنَى " ، بغير تنوين . وهو لحن لا يجوز لأنه لا يقال إلا بالألف واللام( {[2790]} ) .

وقوله : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ ) [ 82 ] .

معطوف على المعنى لأن المعنى : " بأن لا تعبدون " ثم حذفت( {[2791]} ) " أن " مع الحرف ، ودل على ذلك إعادة الباء فيما بعده( {[2792]} ) . وهذا الميثاق هو الذي أخذ عليهم إذ( {[2793]} ) أخرجهم كالذر( {[2794]} ) .

واليُتْم في الناس من قبل الأب( {[2795]} ) ، وفي البهائم من قبل الأم ، قاله الأصمعي( {[2796]} ) .

( وَقُولُوا للِنَّاسِ ) : معطوف على المعنى في ( لاَ تَعْبُدُونَ ) ، فلذلك أتى بلفظ الأمر لأن صدر الكلام مبني على النهي .

ومعنى : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) : " مرهم بقول لا إله إلا الله " . رواه الضحاك عن ابن عباس( {[2797]} ) .

وقال ابن جريج : " معناه : قولوا( {[2798]} ) صدقاً في أمر محمد صلى الله عليه وسلم( {[2799]} ) .

وقال( {[2800]} ) سفيان الثوري : " مرورهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر " ( {[2801]} ) .

وقال قتادة وغيره : " قولوا لهم حسناً من القول " ( {[2802]} ) .

وقال أبو عبيدة : " قولوا( {[2803]} ) حسناً من القول للمسلم والكافر " .

وقال قتادة : " هي منسوخة بآية السيف " ( {[2804]} ) .

ولا يجوز أن تكون منسوخة إلا على قول مَن قال : إن المعنى : قولوا للجميع حُسْناً من القول . وباقي الأقوال لا يمكن أن تكون فيه منسوخة لأن الأمر بالمعروف لا ينسخ/ ، والأمر بإظهار/ الصدق في النبي عليه السلام لا ينسخ( {[2805]} ) .

قوله : ( اتُوا الزَّكَاةَ )[ 82 ] .

هي زكاة كانت عليهم تأكلها نار( {[2806]} ) من السماءِ ومن( {[2807]} ) لم تأكل النار زكاته فهو غير مقبول( {[2808]} ) .

قوله : ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ )( {[2809]} ) [ 82 ] .

قال ابن عباس : " أعرضوا( {[2810]} ) عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الفروض إلا قليلاً منهم " ( {[2811]} ) . وهو خطاب لمن بحضرة( {[2812]} ) رسول الله [ عليه السلام ]( {[2813]} ) .

/ت*

وقيل : هو إخبار عن أسلافهم ، فمعناه : ثم تولى أسلافكم إلا قليلاً منهم ، وأنتم الآن معرضون خطاب لمن بالحضرة أي : وأنتم مثل أولئك الذين تولوا من أسلافكم( {[2814]} ) . ودل على هذا التاويل ما بعده من ذكر سفك الدماء أنه إخبار عن أسلافهم ومخاطبة لمن بالحضرة ، ولم يسفك من بالحضرة الدماء ، ولا أخرج بعضهم بعضاً من ديارهم ، إنما ذلك فعل أسلافهم ، فكون الكلام كله على سياق واحد( {[2815]} ) أولى وأحسن .

*ت/


[2778]:- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ونافع، وعاصماً، وابن عامر، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الحاء والسين. انظر: كتاب السبعة 63، والكشف 1/250، والتبصرة 151، والتيسير 74، والحجة 103، كتاب العنوان 70، والنشر 2/218.
[2779]:- انظر: المحرر الوجيز 1/278.
[2780]:- انظر: معانيه 1/127.
[2781]:- وهي قراءة حمزة والكسائي، انظر: كتاب السبعة 163، والكشف 1/150، والتيسير 74، والحجة 103، والنشر 2/218.
[2782]:- في ع3: ستقبح. وهو تحريف.
[2783]:- فصلت آية 9.
[2784]:- سبأ آية 11.
[2785]:- في ع2، ع3: دروع.
[2786]:- في ع1، ع2، ق، ع3: تحت.
[2787]:- سقط من ق.
[2788]:- في ع2، ع3: لأنه.
[2789]:- انظر: جامع البيان 2/295، ولفظ: "بعض" ساقط من ق.
[2790]:- انظر: معانيه 1/127-128.
[2791]:- في ع2، ع3: حذف.
[2792]:- انظر: هذا التوجيه في البيان 1/102.
[2793]:- في ع3: إذا.
[2794]:- في ع2: كالدرج. وفي ع3: كالقمر. وكلاهما تحريف.
[2795]:- في ع2: البهائم.
[2796]:- انظر: المحرر الوجيز 1/277، ونسبه ابن منظور إلى ابن السكيت 3/1004.
[2797]:- انظر: جامع البيان 2/296، والمحرر الوجيز 1/278، وتفسير القرطبي 2/16.
[2798]:- في ع3: قولوا للناس.
[2799]:- انظر: جامع البيان 2/296، والمحرر الوجيز 1/278، وتفسير القرطبي 2/16.
[2800]:- في ع2: فقال.
[2801]:- انظر: جامع البيان 2/296، والمحرر الوجيز 1/278، وتفسير القرطبي 2/16.
[2802]:- القول لعطاء بن أبي رباح في جامع البيان 2/296.
[2803]:- في ق: قالوا. وهو تحريف.
[2804]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن 107، ونواسخ القرآن.
[2805]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن 107.
[2806]:- سقط من ق. وفي ع3: النار.
[2807]:- سقط من ع3.
[2808]:- وهذا التأويل هو قول ابن عباس في جامع البيان 2/297-298.
[2809]:- في ع2، ع3: منكم الآية.
[2810]:- في ع2: عرضوا.
[2811]:- انظر: جامع البيان 2/298-299.
[2812]:- في ع1، ح: يحضره وهو تصحيف.
[2813]:- في ع2، ق ع3: صلى الله عليه وسلم.
[2814]:- انظر: هذا القول في جامع البيان 2/299 وقوله: "وأنتم الآن...أسلافكم" ساقط من ع2.
[2815]:- في ع3: واحدة.