تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (43)

وقوله تعالى : ( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً ) اختلف فيه ؛ قال بعضهم : ( في منامك قليلا ) المنام نفسه ؛ كان الله يري رسوله المشركين في منامه قليلا ، فأخبر [ رسول ][ ساقطة من الأصل وم ] الله بذلك أصحابه بما رأى ، فقالوا : رؤيا النبي حق [ والقوم قليل ][ في الأصل : القوم قليل ، في م : القوم قليلا ] ليس كما بلغنا أنهم كثير . فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين المؤمنين تصديقا لرؤيا رسول الله .

وقال الحسن : ( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً ) أي في عينيك التي تنام بهما ، وهو في اليقظة ؛ لأنه ذكر أنه قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تنام عيني ، ولا ينام قلبي »[ البخاري3569 ] وإنما أراه إياهم قليلا في العين [ التي بها ينام ، وهما ][ في الأصل وم : الذي به ينام وهو ] عينا الوجه .

ويدل على ذلك ما روي عن ابن مسعود[ من م ، في الأصل : عباس ] رضي الله عنه ، [ أنه ][ ساقطة من الأصل و وم ] قال : لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لصاحب لي : تراهم سبعين ؟ فقال : أراهم مئة حتى أخذنا رجلا منهم ، فسألناه ، فقال : كنا ألفا .

فإن كان التأويل هذا الثاني أنه أراهم ورسوله[ الواو ساقطة من الأصل وم ] قليلا في اليقظة بالذي [ يراه النائم ][ ساقطة من الأصل وم ] فهو ظاهر ، فإن أراه إياهم في المنام حقيقة فلقائل أن يقول : إن رؤيا الرسول وحي ، فكيف أراه إياهم قليلا ، وهم كثير ، خلاف ما هو في الحقيقة ؟ قيل : يحتمل أن يكون أراه بعضهم لا الكل ، فهو حقيقة ما أره إياهم . فلذلك قيل : والله أعلم ، جائز أن يكون أرى أصحابه إياهم قليلا ، وإن أضاف ذلك إلى رسول الله .

دليله ما ذكر في آخره حيث قال : ( وإذ يريكموهم إذ التقتيم )[ الأنفال : 44 ] وذلك كثير في القرآن أن يخاطب به رسوله ، والمراد غيره . ألا ترى أنه قال : ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف )[ الإسراء : 23 ] ومعلوم أن نزول هذه الآية بعد وفاة والديه ؟

وقوله تعالى : ( ولو أريناكهم كثيرا لفشلتم ) أي لجبنتم ، ولتنازعتم في الأمر ، أي [ اختلفتم في أمر ][ من م ، في الأصل أخلفتم ] القتال والحرب ، ( ولكن الله سلم ) قيل : ( سلم ) أتم[ في الأصل وم : وأتم ] للمسلمين أمرهم على عدوهم ، فهزمهم ، ونصرهم عليهم .

ويحتمل قوله تعالى : ( سلم ) أي أجاب للمسلمين لما استغاثوا ، واستنصروه ، بالنصر والظفر لهم .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( إنه عليم بذات الصدور ) أي عليم بما في قلوب المؤمنين من الجبن والفشل وأمر عدوهم ، والله أعلم .