الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّآئِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (7)

قوله : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين } ، إلى قوله : { ولو كره المجرمون }[ 7 ، 8 ] .

والمعنى : واذكروا ، أيها المؤمنون { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } ، والطائفتان : إحداهما فرقة أبي سفيان والعير ، والطائفة الأخرى : فرقة المشركين الذين خرجوا من مكة لمنع العير{[26851]} .

وقوله : { أنها لكم } .

أي : أن ما معهم غنيمة لكم{[26852]} .

وقوله : { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم }[ 7 ] .

أي : تحبون أن تكون لكم العير التي لا قتال فيها ولا سلاح دون / فرقة المشركين المقاتلة المسلحين .

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أحبوا أن يظفروا بالعير ، فأراد الله عز وجل ، غير ذلك ، أراد أن يظفروا بالمقاتلة ، فيكون ذلك أذل{[26853]} لهم وأخزى وأهيب في قلوب المشركين ؛ لأن المسلمين لو ظفروا{[26854]} بالعير و مقاتلة معها ما كان في ذلك هيبة ولا ردعة عند المشركين ، وإذا ظفروا بالمقاتلة وأهل الحرب والبأس كان ذلك أهيب وأروع لمن بقي منهم .

و{ الشوكة } : السلاح{[26855]} .

وقال أبو عبيدة : غير ذات الحد{[26856]} .

يقال : فلان شائك في السلاح وشاك ، من الشكة{[26857]} .

وقال ابن عباس : لما خُبِّر{[26858]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأبي سفيان مقبلا من الشام{[26859]} ، ندب المسلمين{[26860]} إليهم ، فقال : هذه عير قريش فيها أموال{[26861]} ، أخرجوا إليها لعل الله أن يملككموها{[26862]} ! فانتدب الناس ، فخف بعضهم ، وثقل بعضهم ؛ لأنهم ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يلقى حربا ، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ، ويسأل من لقي من الركبان ، تخوفا على أموال الناس{[26863]} ، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان : " إن محمدا قد استنفر [ أصحابه ]{[26864]} لك ولعيرك " {[26865]} ، فَحَذِرَ{[26866]} عند ذلك ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه ، فمضى ضمضم{[26867]} . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، في أصحابه ، وأتاه الخبر عن قريش بخروجهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس ، وأخبرهم عن قريش . فقام أبو بكر ، فقال فأحسن . وقام عمر ، فقال فأحسن . ثم قام المقداد بن عمرو{[26868]} فقال : يا رسول الله ، امض لما أمرك الله ، فنحن معك ، والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون{[26869]} } ، ولكن اذهب ( أنت ){[26870]} وربك فقاتلا ، إنا معكم{[26871]} مقاتلون ! والذي بعثك بالحق ، لو سرت بنا إلى برك{[26872]} الغماد ، يعني : مدينة الحبشة ، لجادلنا معك من دونه ! ثم قالت الأنصار بعد أن استشارها{[26873]} : امض يا رسول الله ، لما أمرت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك{[26874]} . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى التقى بالمشركين ببدر ، فسبقوا الماء{[26875]} ، والتقوا{[26876]} ، ونصر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، فقُتِل من المشركين سبعون ، وأُسِر منهم سبعون ، وغنم المسلمون ما كان معهم ، وسلمت العير مع أبي سفيان ، وكان قد أخذ بها الساحل ، أسفل من موضع القتال ، وهو قوله تعالى : { والركب{[26877]}أسفل منكم }{[26878]} .

وروى عكرمة عن ابن عباس قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ، حين فرغ من بدر ، عليك العير{[26879]} ليس دونها شيء ، قال : فناداه العباس{[26880]} : لا يصلح ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لم " ؟ قال : لأن الله عز وجل ، وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك . قال : " صدقت " {[26881]} .


[26851]:جامع البيان 13/398.
[26852]:انظر: المصدر السابق.
[26853]:في الأصل: دل، وهو تحريف.
[26854]:"ظفر" بعدوه من باب طرب. المختار/ظفر.
[26855]:تفسير المشكل من غريب القرآن 180، وغريب ابن قتيبة 177، وغريب السجستاني 285، وغريب ابن الجوزي 1/199، وغريب أبي حيان 187.
[26856]:زيادة من مجاز القرآن 1/241، وتمام نصه: "يقال ما أشد شوكة بني فلان، أي: حدَّهم". والشوكة: شدة البأس والقوة في السلاح، وشاك الرجل يشاك شوكا، من باب: خاف: ظهرت شوكته وحدته، وهو شائك السلاح وشاكي السلاح، على القلب، وشوكة المقاتل: شدة بأسه. المصباح /شوك.
[26857]:إعراب القرآن للنحاس 2/177، باختصار. وهو في معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/402، بلفظ: "...، يقال: فلان شاك في السلاح، وشائك في السلاح، وشاك في السلاح، بتشديد الكاف، من الشكة...." انظر: اللسان / شوك.
[26858]:أخبره بكذا، وخبَّره، بمعنى: المختار / خبر.
[26859]:هو بهمزة ساكنة، مثل: رأس، ويجوز تخفيفها كما في رأس وشبهه، وفيه لغة أخرى: شآم بالمد. تهذيب الأماء واللغات 3/162.
[26860]:في الأصل: المسلمون، وهو خطأ ناسخ.
[26861]:كذا في المخطوطتين، وفي مصادر التوثيق: أموالهم.
[26862]:في مصادر التوثيق، ص 506، هامش 6: أن ينفلكموها.
[26863]:في الأصل: أموال المسلمين، وفوقها علامة الإخاق متجهة إلى يمين الصفحة ولكن اللحق غير واضح، وأحسبه "الناس" وفوقها رمز: صح.
[26864]:زيادة من مصادر التوثيق، ص 506، هامش 6.
[26865]:في الأصل: قد استنفر لكم ولغيرك، بالغين المعجمة، وهو تحريف. وفي "ر": قد استنفد. بالدال المهملة، لك ولغيرك، بالغين المعجمة، وهو تحريف أيضا، وصوابه من مصادر التوثيق، ص: 508، هامش 1.
[26866]:الحَذَرُ والحِذْر: التحرز، وقد حذروه، وبابه: طرب. المختار /حذر.
[26867]:في مصادر التوثيق، ص:508، هامش 1: فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة.
[26868]:هو: المقداد بن عمرو بن ثعلبة، البهراوي، المعروف بالمقداد بن الأسود، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، ومناقبه كثيرة، توفي بالمدينة في خلافة عثمان سنة 33هـ. انظر: مشارق الأنوار 2/458، وأسد الغابة 5/265. والإصابة 6/159.
[26869]:المائدة آية 26، ومستهل الآية: {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها...}. وفي المخطوطتين: اذهب، وأثبت نص التلاوة.
[26870]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[26871]:في مصادر التوثيق أسفل هامش 6: إنا معكما.
[26872]:في الأصل إلى: ــفد، ولا معنى لها. وفي مشارق الأنوار 1/310: "برك الغماد": أكثر الرواية فيه في الصحيحين بفتح الباء. وذكره في الجمهرة، والإصلاح، وبعض رواة البخاري، بكسر الباء وسكون الراء. و"الغماد" بغين معجمة، يقال: بكسرها وضمها، وميم مخففة، وآخره دال مهملة موضع في أقاصي هجر: انظر: معجم البلدان/برك، ففيه فوائد جمة.
[26873]:انظر: مصادر التوثيق أسفله، فالكلام هاهنا مختصر.
[26874]:جامع البيان 13/399، وتفسير ابن كثير 2/288، والدر المنثور 4/26، باختصار. وانظر مزيد بيان في سيرة ابن هشام 1/606.
[26875]:هكذا جاء في المخطوطتين.
[26876]:في "ر": والتقوى، وهو تحريف.
[26877]:الأنفال آية 42.
[26878]:من: "فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم..." إلى هنا ليس في مصادر التوثيق السالف ذكرها، هامش 1. انظر: مزيد بيان في سيرة ابن هشام 1/615، وما بعدها.
[26879]:في "ر": لا غير، وهو تحريف محض.
[26880]:هو: عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي بالمدينة سنة 32هـ. انظر: الاستيعاب 2/358، وأسد الغابة 3/163، وسير أعلام النبلاء 2/78.
[26881]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1660، وتفسير ابن كثير 2/288، وفيه: "إسناد جيد، ولم يخرجه" وبهامشه: "في نسخة الأزهر ولم يخرجوه، يعني الشيخين وأصحاب السنن"، والدر المنثور 4/28.