تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

وقوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ) أي خبره وحديثه ( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ ) قال بعضهم : إن كان كبر عليكم طول مقامي ومكثي فيكم ودعائي إياكم إلى عبادة الله وإطاعتكم[ في الأصل وم : وإطاعته ] له وتذكيري إياكم بآياته . وقال بعضهم ( وتذكيري ) بعذابه بترككم إجابتي ودعائي .

ويحتمل قوله : ( إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي ) بما أدعو[ في الأصل وم : أدعي ] من الرسالة ( وتذكيري بآيات الله ) أي بحجج الله على ما أدعو[ في الأصل وم : أدعيت ] من الرسالة .

وقوله[ الواو ساقطة من الأصل ] تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ) فيه وجوه :

أحدها : أتل منابزة نوح قومه وما أرادوا به من الكيد والمكر به .

والثاني : اذكر عواقب قوم نوح وما حل بهم من سوء معاملتهم رسولهم .

والثالث : اذكر لهم عواقب[ أدرج قبلها في الأصل وم : لا ] متبعي قومه ومخالفيه[ في الأصل وم : ومخالفة ] .

وقوله تعالى : ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ) قال بعضهم : أي اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ثم كيدوني ( ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ) أي اجعلوا ما تريدون من الكيد والمكر في ظاهرا غير ملتبس ولا مشتبه . وقال بعضهم : ( فأجمعوا أمركم ) أي أعدوا أمركم ، وادعوا شركاءكم . وكذلك روي في حرف أبي [ بن كعب ][ ساقطة من الأصل وم ] ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ ) وادعوا شركاءكم ( ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) أي اقضوا ما أنتم قاضون .

وقال بعضهم : قوله ( ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ) أي لا يكبر عليكم أمركم . قال الكسائي : هو من التغطية واللبس ؛ أي لا تغطوه ولا تلبسوه ، اجعلوا كلمتكم ظاهرة واحدة .

وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : لا يكن أمركم اغتماما عليكم ، أي فرجوا عن أنفسكم كقوله : ( من كان يظن أن لن ينصره الله )الآية[ الحج : 15 ] .

وقوله تعالى : ( ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) أي اعملوا بي ما تريدون ، ولا تنظروني ، وهو كقوله : ( فاقض ما أنت قاض )[ طه : 72 ] وقال الكسائي : هو الإنهاء والإبلاغ ، وهو كقوله : ( وقضينا إلى بني إسرائيل )الآية[ الإسراء : 4 ] [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وقضينا إليه )[ الحجر : 66 ] [ أي أنهينا إليه ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وأبلغنا إليه .

وقال أبو عوسجة : إن شئت جعلتها ظلمة فلا يبصرون أمرهم ؛ يعني غمة ، وإن شئت جعلتها شك ، واشتقاق الغمة من غم يغم غما أي غطى يغطي ، تقول : غممت رأسه أي غطيته ( ثم اقضوا إلي ) أي افعلوا بي ما أردتم .

وفي قول نوح لقومه ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ) إلى قوله ( ولا تنظرون ) وقول هود : ( فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون )[ هود : 55 ] وقول رسول الله : ( قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون )[ الأعراف : 195 ] دلالة إثبات رسالتهم لأنهم قالوا ذلك لقومهم ، وهم بين أظهرهم ولم يكن معهم أنصار ولا أعوان . دل أنهم إنما قالوا ذلك اعتمادا على الله واتكالا [ على ][ في الأصل وم : بمعونته ] ونصرته إياهم .

وقال بعضهم في قوله : ( ثم اقضوا إلي ) أي فافرغوا إلي ، أن يقال : قضى فرغ ، وهو قول أبي بكر في الأصم .

[ وقال بعضهم ][ في الأصل وم : وبعضهم ] ( ثم اقضوا إلي ) كقوله : ( فراغ إلى أهله )[ الذاريات : 26 ] وقوله[ في الأصل وم : و ] : ( فراغ إلى آلهتهم )[ الصافات : 91 ] ونحوه .