تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

وقوله تعالى : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ) عند عبد الله بن شداد [ أنه قال ][ ساقطة من الأصل وم ] : كان أحدهم إذا مر بالنبي تغشى بثوبه ، وحنى صدره ، وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم لكي لا يسمعوا كتاب الله وذكره .

قال بعضهم : نزلت الآية في رجل يقال له : الأخنس بن شريق الثقفي ؛ كان يجالس النبي ويظهر له أمرا حسنا ، وكان حسن المنظر حسن الحديث ، وكان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يعجبه حديثه ، [ ويقربه في ][ في الأصل وم : ويقرأ به ] مجلسه ، وكان يضمر خلاف ما يظهر فأنزل الله : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ) يقول : يكتمون ما في صدورهم ويسترون ، وهو قول ابن عباس .

وأصل ثنية الصدر هو أن يضم أحد طرفي الصدر إلى الآخر ليكون ما أضمر أسر وأخفى . ويشبه ما ذكر من ثني الصدور أن يكون كناية عن ضيق الصدور كقوله : ( ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا )[ الأنعام : 125 ] أو كناية[ في الأصل وم : عبارة ] عن الكبر كقوله : ( ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله )الآية[ الحج : 9 ] .

وكأن أصله الميل إلى غيره ، وهو ما قال أبو عوسجة : ( يثنون صدروهم ) أي يميلون إلى غيره ، وكذلك قوله ( ثاني عطفه ) .

وقوله تعالى : ( ليستخفوا منه ) قال بعضهم : من الله وقال بعضهم : ( منه ) أي من رسول الله . لكن إن كانت الآية في المنافقين على ما ذكره بعض أهل التأويل فهو الاستسرار والاستتار من رسول الله لأنهم كانوا يظهرون الموافقة ويضمرون له العداوة ، وإن كانت الآية في المشركين فهو الاستسرار والاستتار من الله لأنهم لا يبالون الخلاف لرسول الله وإظهار العداوة ، وعندهم أن الله لا يطلع [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] ما يسرون ، ويضمرون في قلوبهم ، فأخبر أنه يعلم ما أسروا ، وما أعلنوا .

وفيه[ في الأصل وم ] دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يسرون كذلك ويضمرون ، فأخبرهم بذلك بالله تعالى .

وقوله تعالى : ( أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ) أي يستترون بها . قال الحسن ( حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ) في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم يعلم في تلك الساعة ما يسرون وما يعلنون .

وأصله أنهم يعلمون أن الله هو الذي أنشأ هذه الصدور والقلوب ، والثياب هم الذين نسجوها واكتسبوها ، ثم لا يملكون الاستتار بما كسبوا هم ، فلأن يملكوا[ في الأصل وم : يملكون ] الاستتار بما تولى هو إنشاءه أحق .

وقوله تعالى : ( أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ) : ( ألا ) إنما هو تأكيد الكلام وهو قول أبي عبيدة وغيره .

وقوله تعالى : ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) قال أهل التأويل عليم [ بما في ][ في الأصل وم : بذات ] الصدور لكنه يشبه أن [ يكون ][ ساقطة من الأصل وم ] قوله : ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) كناية[ في الأصل وم : عبارة ] عن صدور لها تدبير وتمييز ، [ وهي صدور ][ في الأصل وم : وهو ] البشر .