تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

الآية 48 : وقوله تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } قال الحسن : تفنى هذه الأرض ، ثم تعاد من ساعته مستوية ، لا شجر فيها ، ولا جبل ، ولا إكام { قاعا صفصفا } { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } ( طه : 106 و 107 ) .

وقال بعضهم : تبدل هذه الأرض أرضا غير هذه بيضاء نقية ، لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل عليها بالمعاصي ، وكذلك السماوات .

ومنهم من يقول : لا تبدل عينها ، ولكن تتغير صفتها وزينتها كما يقول الرجل الآخر : تبدلت يا فلان ، لا يريد تبدل أصله وعينه ، ولكن تغير الأخلاق والدين . فعلى ما ذكر من تبديل الأرض والسماوات ، والأشبه أن يكون على اختلاف الأحوال لأنه ذكر في آية : { يومئذ تحدث أخبارها } ( الزلزلة : 4 ) وقال : { وإذا الأرض مدت } ( الانشقاق : 3 ) [ وقال ]{[9739]} : { ويوم تشقق السماء } ( الفرقان : 25 ) وقال{[9740]} : { إذا السماء انشقت } ( الانشقاق : 1 ) وقال{[9741]} : { إذا السماء انفطرت } ( الانفطار : 1 ) [ وقال ]{[9742]} : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } ( النمل : 88 ) [ وقال ]{[9743]} : { ويوم نسير الجبال } ( الكهف : 47 ) وقال : { ويسألونك عن الجبال } ( طه : 105 ) وقال : { فجعلناه هباء منثورا } ( الفرقان : 23 ) .

ذكر مرة : تمد الأرض ، وذكر مرة أنها تخبر ، وتحدث عما عمل عليها ، وذكر في السماء [ التبدل ]{[9744]} بالتشقق والانفطار وفي الجبال بالسير والمرور مرة ومرة بالرفع ، ومرة أخبر أنه جعله { هباء منثورا } ( الفرقان : 23 ) وأمثاله .

فيشبه أن يكون هذا كله على اختلاف الأحوال والأوقات ؛ إذ يوم القيامة يوم ، فيكون كل ما ذكر على ما قال : { يومئذ فهم لا يتساءلون } ( القصص : 66 ) قال في آية : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ( الصافات : 37 و . . . . . . . ) وقال : { ولا يتساءلون } ( المؤمنون : 101 ) وقال{[9745]} : { يسأله من في السماوات والأرض } ( الرحمن : 29 ) فهو ، والله أعلم ، ذلك على اختلاف الأحوال والأوقات . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم بذلك .

( وقوله تعالى ){[9746]} { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } يحتمل وجهين :

أحدهما : تبديل أهلها على ما يذكر الأرض والقرية ، والمراد منها الأهل كقوله : { وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } ( يوسف : 82 ) وقوله : { قرية كانت آمنة } الآية ( النحل : 112 ) ونحوه كثر .

والثاني : تبديل نفس الأرض .

ثم يحتمل كل واحد من الوجهين وجهين :

أحدهما{[9747]} : تبديل أهلها ، هو أن يكونوا مستسلمين خاضعين له في ذلك ، ولم يكونوا في الدنيا ، [ كذلك ]{[9748]} .

والثاني : تبديل أهلها ، هو أن يكون الأولياء في النعم الدائمة واللذة الباقية ، والأعداء في عذاب وألم وشدة ، وكانوا في هذه الدنيا جميعا مشتركين ، الأولياء ، والأعداء ، في اللذات والآلام .

فإن كان تبديل نفس الأرض ، فهو يخرج على وجهين :

أحدهما : تغيير زينتها وصفتها .

والثاني : تبديل عينها وجوهرها ، وهو ما ذكر أن أرض الجنة تكون من مسك وزعفران ونحو ما روي في الخبر ، والله أعلم .

كأن قوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض } صلة قوله : { فلا تحسبن الله مخلف وعده ورسله } الآية ، فقالوا : متى يكون ذلك ؟ فقال : { يوم تبدل الأرض } يخرج جوابا لسؤال ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وبرزوا لله الواحد القهار } قد ذكرنا تخصيص بروزهم لله يوم القيامة ، أنه ، والله أعلم ، أنشأ هذا العالم الأول للعالم الثاني . [ فالعالم الثاني ]{[9749]} و المقصود في إنشائهم .

وقال قائلون : تخصيص بروزهم له يومئذ ، لأنهم يخرجون من قبورهم للحساب لا لغيره . فهو / 274 – أ / يحاسبهم .

فأضاف البروز إليه لما لا يخرجون إلا له . وأما في الدنيا فإنما يخرجون للحوائج أنفسهم ، لذلك خرج التخصيص له ، والإضافة .

وقوله تعالى : { وبروز لله } يحتمل ( وجوها ثلاثة :

أحدها ]{[9750]} : بروزا له مستسلمين خاضعين قائلين طائعين ، ولم يكونوا في الدنيا كذلك .

والثاني : يبرزون له لما وعدوا ، وأوعدوا ، فهم بارزون لما دعوا إليه ، ورغبوا فيه .

والثالث : يبرزون له لما لا يملكون إخفاء أنفسهم وسترها ، بل ظاهرون{[9751]} له .

وقوله تعالى : { الواحد القهار } : الذي لا شريك له ، و{ القهار } يقهر الخلائق كلهم ، ويغلب{[9752]} الجبابرة والفراعنة .

أو يبرزون له ليجزيهم على ما ذكر الله تعالى : { ليجزي الله كل نفس ما كسبت } ( إبراهيم : 51 ) والله أعلم .


[9739]:ساقطة من الأصل وم.
[9740]:في الأصل وم: و.
[9741]:في الأصل وم: و.
[9742]:ساقطة من الأصل وم.
[9743]:ساقطة من الأصل وم.
[9744]:ساقطة من الأصل وم.
[9745]:في الأصل وم: وقوله.
[9746]:ساقطة من الأصل وم.
[9747]:في الأصل وم: إما.
[9748]:ساقطة من الأصل وم.
[9749]:ساقطة من الأصل وم.
[9750]:في الأصل وم: وجهين أحدهما.
[9751]:في الأصل وم: ظاهرين.
[9752]:في الأصل وم: يغلبهم.