تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

الآية 44 : وقوله تعالى : { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب } يحتمل قوله : { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب } قولهم الذي يقولون يومئذ : { ربنا أخرنا إلى أجل قريب } ويحتمل { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب } الذي يحل بهم ، ثم أخبر عما يقولون إذا حل بهم العذاب { ربنا أخرنا إلى أجل قريب } .

قال بعضهم : إلى الدنيا ، والدنيا ، أجلها قريب . لكن هذا لا يحتمل ، لأن الدنيا أولى ، والآخرة آخرة . فلو جاز هذا لتكون الآخرة أولى ، فذلك بعيد ، لكن طلبوا ، والله أعلم ، الرد إلى حال الأمن ليجيبوا داعيه ، إذ لم تنفعهم إجابتهم في حال الخوف ( والهول ){[9718]} . وما حل بهم إنما حل بتركهم [ الإجابة ]{[9719]} في حال الأمن ، فطلبوا الرد إلى حال الأمن ليجيبوا داعيه لتنفعهم إجابتهم حين{[9720]} قالوا : { نجب دعوتك ونتبع الرسل } .

وقوله تعالى : { أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال } لم يبين بما أقسموا في هذه الآية ، وهو ما بين في آية أخرى { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } ( النحل : 38 ) .

ثم قوله تعالى : { ما لكم من زوال } قال قائلون : { ما لكم من زوال } من الدنيا ؛ أي كنتم تقولون : أن ليس إلا الدنيا ، لا زوال لنا عنها أحياء وموتى كقولهم : { إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } الآية ( المؤمنون : 37 ) على ما ذكر من قسمهم أنهم لا يبعثون .

وقال قائلون : قوله : { ما لكم من زوال } جواب لسؤالهم : { ربنا أخرنا إلى أجل قريب } على الاستئناف . قال : ما لكم عما أنتم فيه من العذاب إلى ما تسألون من الملاذ والتأخير ، أي مالكم إلى ذلك سبيل .

وقال بعضهم في قوله : { وأفئدتهم هواء } أي تنزع قلوبهم حتى صارت في حناجرهم ، فلا تخرج من أفواههم ، ولا تعود إلى أماكنها لشدة هول ذلك اليوم وفزعهم منه{[9721]} ، وهو على التمثيل والكناية كقوله{[9722]} : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } الآية ( الأحزاب : 10 ) لشدة خوفهم ، وهو على التمثيل .

ولا يحتمل بلوغ القلوب الحناجر في الدنيا حقيقة ؛ إذ لو بلغت ذلك لخرجت ، فماتوا ، إذ الدنيا يحتمل الموت فيها ، فدل أن ذلك على التمثيل لشدة خوفهم .


[9718]:من م، ساقطة من الأصل.
[9719]:ساقطة من الأصل وم.
[9720]:في الأصل وم: حيث.
[9721]:في الأصل وم: عليه.
[9722]:في الأصل وم: كقولهم.