تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (111)

الآية : 111 وقوله تعالى : { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } ، قال الحسن : { تجادل } ، أي : تخبر عن نفسها عما عملت من خير أو شر . وقال أبو بكر الأصم : إن كل نفس رهينة بما كسبت من شر حتى يكون طائرا في عنقه . ولكن ليس في ما ذكر هؤلاء مجادلة ؛ المجادلة المخاصمة ، كأنها تخاصم عن نفسها من ارتكاب أشياء وعوى أشياء على ما ذكر في غير آية كقوله : { ثم لم تكن فتنتهم } ( الأنعام : 23 ) .

وقال بعضهم : إن جهنم تزفر زفرة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقد جثا بركبتيه خوفا منها . فعند ذلك تجادل ، وتخاصم كل نفس عن نفسها .

ويشبه أن يكون مجادلتهم على غير هذا ؛ وهو ما ذكر { حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون } { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا } ( فصلت : 20 و 21 ) فتلك مجادلتهم أنفسهم ، وكقوله : { ثم لم تكن فتنتهم } ( الأنعام : 23 ) وكذلك ما ذكر في المنافقين { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم } الآية ( المجادلة : 18 ) ، وذلك كله مجادلتهم أنفسهم .

أو أن يقال : { تجادل } ، لكن لا يفسر ما تلك المجادلة ؟ ولم يذكر ما تلك المجادلة ؟

وقوله تعالى : { وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون } ، أي : توفر كل نفس ما عملت ، ولا ينقصون من حسناتهم ولا يزدادون على سيئاتهم .

وهذه الآية ترد على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون بالتخليد لصاحب الكبيرة ، وقد أخبر أنه : { وتوفى كل نفس ما عملت } من سوء ، وتوفر ما عملت من الخيرات والطاعات .