تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

الآية : 80 : وقوله تعالى : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } ظاهر هذا الخطاب يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين{[11154]} أمره أن يدعو مما ذكر ، وقد عرف هو ما أمره من الدعاء بقوله : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق }فلا حاجة ، تقع لنا إلى أن نطلب المراد من ذلك إلا أن يكون لغير في ذلك اشتراك ، فعند ذلك نتكلف فيه ، ونطلب المراد منه .

وقد تكلم أهل التأويل في ذلك ؛ قال بعضهم : قوله : { وقل رب أدخلني مدخل صدق } كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة منها إلى المدينة ، وأمر أن يدعو بهذا الدعاء { رب أدخلني } في المدينة { مدخل صدق } آمنا على زعم اليهود { وأخرجني } من المدينة إلى مكة { مخرج صدق } آمنا على زعم كفار مكة ظاهرا عليهم . ألا ترى أنه قال : { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } عليهم ، ففعل الله ذلك له ، وأجابه ؟

وقد ذكرنا في غير موضع أن حرف السلطان ، يتوجه إلى وجوه ثلاثة : يكون مرة عبارة عن حجة قاهرة غالبة ، ويكون ( مرة ){[11155]}عبارة عن ولاية نافذة غالبة ، ويكون ( مرة ) {[11156]} عبارة عن اليد الظاهرة الغلبة أيضا . وقد كان بحمد الله ومنته لرسول الله على الكفرة ذلك كله .

وقال بعضهم : { رب أدخلني مدخل صدق } في مكة ليعلم أهل مكة أني قد بلغت الرسالة { وأخرجني } منها { مخرج صدق } ليعلم يهود المدينة أني نُصُرِتُ ، وبََلّغْتُ ما أمرت به .

وقال الحسن : أخرجني من مكة { مخرج صدق } وأدخلني في الجنة { مدخل صدق } في ما حَمَّلْتَني من الرسالة والنبوة وما أمرتني بها لأؤديها على ما أمرتني وأُبَلِّغ الرسالة إلى الخلق على ما كلفتني ، { وأخرجني مخرج صدق } أي أخرجني مما كلفتني سالما ، لا تَبِعَة علي ، أو كلاما{[11157]} نحوه .

وأصله كأنه أمره أن يسأل ربه في جميع أفعاله وأقواله وفي جميع ما يتعبده به من الدخول في أمر أو الخروج منه ؛ إذ لا يخلو العبد من هذين من الدخول في أمر والخروج منه . سأله الصدق في كل حال وكل دخول وكل خروج .

وقال مجاهد : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } في الرسالة والنبوة ، وهو ما ذكرنا .

وقوله تعالى : { واجعل من لدنك سلطانا نصيرا }قال بعضهم : حجة منه ، وقد أقامها على الكفرة . وقال بعضهم : { سلطانا نصيرا }أي اجعل في قلوب الناس هيبة ليهابوني ، وقد كان في الهيبة بحيث هابوه من مسيرة شهرين . وقال بعضهم : هو السلطان الذي ينصرون به الدين ، ويقيمون الحدود والأحكام نحوه .

وقيل السلطان هو إقامة الحدود والأحكام والشرائع ، وهو تفسير الولاية ، لأنه بالولاية ما يقيمها ، وهو ما ذكرنا من الولاية وإقامة الأحكام .

ثم قيل في الصدق والإخلاص : قال بعضهم : الإخلاص هو ألا يجعل ( المرء لشيء ){[11158]} بقلبه نصيبا لأحد سواه ، والصدق ( إن جعل فلا ){[11159]} يجد لذلك لذة .

الصدق عندنا أن يجعل الفضل في جميع أفعاله لله تعالى ، لا يجعل لنفسه شيئا من الفضل . وعلى ذلك يلزمه الشكر لربه في جميع خيراته .

وعن الحسن ( أنه ){[11160]} قال : لما مكر كفار ( مكة ){[11161]} برسول الله صلى الله عليه سلم ليثبتوه ، أو يقتلوه ، أو يخرجوه ، أراد{[11162]} الله تعالى بقاء أهل مكة ، فأمر نبيه أن يخرج منها مهاجرا إلى المدينة ، وعلمه ما يقول ، فأنزل الله : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } وعده الله ( بأن ينزع ){[11163]} ملك فارس والروم ، ويجعله لأمته .


[11154]:في الأصل و.م : حيث.
[11155]:ساقطة من الأصل و.م.
[11156]:في الأصل و م : كلام.
[11157]:في الأصل و م : كلام.
[11158]:في الأصل و.م : الشيء.
[11159]:في الأصل و.م: وإن جعل لا.
[11160]:ساقطة من الأصل و.م.
[11161]:من م، ساقطة من الأصل.
[11162]:في الأصل و.م: فأراد.
[11163]:في الأصل و.م: لينزعن.