تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ كُلّٞ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلٗا} (84)

الآية 84 : وقوله تعالى : { قل كل يعمل على شاكلته }لسنا نعلم أنه أي سبب كان هنالك حتى قال : { قل كل يعمل على شاكلته } ؟ إذ لا يجوز أن يقال هذا بلا سبب كان منهم ابتداء . لكن يشبه أن يكون ){[11174]} قال هذا على الإياس من إيمانهم لما لم يزدهم دعاؤه إياهم وكثرة تلاوة آياته عليهم وإقامة حججه عليهم إلا عنادا وإنكارا . فقال عند ذلك : { قل كل يعمل على شاكلته } أي على دينه وطريقته كقوله : { لكم دينكم ولي دين } ( الكافرون : 6 ) وكقوله : { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } ( يونس : 41 ) فهو كله على الإياس من أن يؤمنوا به ، ويقبلوا دينه .

ثم قال : { فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا } أي ربكم أعلم بمن منا على الهدى ومن ليس ، أو من{[11175]} منا أهدى سبيلا نحن أو{[11176]} أنتم ؟

وقال أبو عوسجة : الشاكلة : الحاضرة {[11177]} ، أي على ناحيته .

وقال القتبي : { شاكلته }أي على خليقته . وقال : قطرب : على طريقته ، وكان هذا أشبه . وقال بعضهم : على نيته . وقيل : على دينه ومذهبه وقيل : على جديلته ومنهاجه . وكله يرجع إلى واحد . ويشبه أن يكون : أي كل يعمل{[11178]} بما هو الشبيه به وما هو يشبهه ، لأن الشكل هو ما يشبه الشيء ؛ يقال : هذا شكل هذا .

وقوله تعالى : { قل كل يعمل على شاكلته }على قول من يقول : على خليقته ( التي ){[11179]} خلق عليها ، لأنه على ما علم منه ما{[11180]} يختار ، ويُؤَثِرُ ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الباطل كان زهوقا }( الإسراء : 81 )قيل : ذاهبا باطلا ، لا يجدي لأهله نفعا ، لأنه يتلاشى ، ولا يبقى ، والحق يجدي لأهله نفعا ، ويبقى . وعلى ذلك ضرب الله مثل الحق بالشيء الذي يبقى ، وضرب مثل الباطل بالذي لا يبقى ولا يثبت ، فقال : { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } ( الرعد : 17 ) وقد ذكرنا في موضعه ضرب مثل الباطل بالزبد ، وهو يتلاشى ، ولا ينتفع به . فعلى ذلك الباطل .

وضرب مثل الحق بالماء ، وهو يبقى في الأرض ، وينفع الناس ، وضرب مثل الباطل أيضا بالشجرة الخبيثة التي اجْتُثَتْ من فوق الأرض ، ولا يكون لها قرار بقوله : { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } الآية ( إبراهيم : 26 ) وضرب مثل الحق بالشجرة الطيبة الثابتة في الأرض ذات القرار والثبات بقوله : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء } ( إبراهيم : 24 ) فهو على ما وصفها : الحق ثابت باق ، وله قرار ، ينفع أهله ، والباطل يرى ، ثم يتلاشى ، ولا بقاء .


[11174]:ساقطة من م.
[11175]:ساقطة من م.
[11176]:في الأصل و.م: و.
[11177]:من م، في الأصل : الحافرة.
[11178]:في الأصل و.م : عمل.
[11179]:ساقطة من الأصل و.م.
[11180]:في الأصل و.م : أنه.