الآية 85 : وقوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } ( اختلف فيه :
قال أبو بكر الأصم : الروح القرآن ههنا كقوله : { ينزل الملائكة بالروح من أمره } ( النحل : 2 ) وكذلك قوله : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } الآية ( الشورى : 52 ) { قل الروح من أمر ربي }{[11181]} أي من تدبير ربي ، ما لو اجتمع الخلائق ما قدروا على مثله .
فإن قيل : كيف سألوا عن القرآن ، وهم لم يقروا بالقرآن ؟ قيل{[11182]} : سموه قرآنا وروحا على ما عنده ؛ أعني عند رسول الله كقوله { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } ( الفرقان : 7 ) وهم لم يكونوا أقروا أنه رسول ، ولكن سموه رسولا لما عند نفسه وزعمه ( أنه ){[11183]} رسول ، أي ما لهذا الذي يزعم أنه رسول يأكل الطعام ؟ فعلى ذلك قوله : { ويسألونك عن الروح } وهو الذي به حياة الأبدان من هلاك الضلال ، أي من تمسك به نجا من هلاك الضلال .
وقوله تعالى : { قل الروح من أمر ربي } أي بأمر ربي يَنْزِل .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[11184]} قال : { قل الروح من أمر ربي } أي من خلق ربي ما ( لو اجتمع الخلائق ما قدوا على مثله ){[11185]} وهما{[11186]} واحد .
وقال بعضهم : الروح هو الملك ، وإنما سألوه عنه كقوله : { تتنزل الملائكة والروح فيها } ( القدر : 4 ) يعني المَلَكَ .
وقال بعضهم : إنما سألوه عن الروح المعروف الذي به حياة الأبدان ، لكنه لم يجبهم ، فوكل أمره{[11187]} إلى الله لما لا يدركون ذلك ، لو بين لهم وأمثاله .
وروي عن ابن يوسف ، رحمه الله ، أنه كان ينهى عن الخوض{[11188]} في الكلام ، ويحتج بظاهر هذه الآية حين{[11189]} سألوه عن الروح ، فلم يجبهم ، ولكن فوض أمره إلى الله ، وما سئل عن الأحكام إلا وقد بين لهم كقوله : { يسألونك عن الخمر والميسر } الآية ( البقرة : 219 ) وقوله{[11190]} : { يسألونك عن الأنفال } الآية ( الأنفال : 1 ) ( وقوله ){[11191]} : { ويسألونك عن اليتامى } ( البقرة : 220 ) ( وقوله ){[11192]} : { ويسألونك عن المحيض } ( البقرة : 222 } و( قوله ){[11193]} : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن }( النساء : 127 ) .
مثل هذا ما سئل ع شيء من الأحكام إلا وقد أجابتهم ، وبين لهم بيانا شافيا ، وقال ههنا : { قل الروح من أمر ربي } وقال جعفر بن حرب : إن الله قد أمر بالتكلم في الكلام بقوله : { وجادلهم } الآية ( النحل : 125 ) وقوله{[11194]} : { فلا ثمار فيهم } الآية ( الكهف : 22 ) ونحوه فكيف نهى عن الخوض في الكلام ؟
لكن أبا يوسف إنما نهى/308-ب/عن الخوض في الكلام الذي لا يدرك ، ولا يزيد الخوض فيه إلا حيرة وضلالا نحو ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تفكروا في المخلوق و تفكروا في الخالق ) ( أبو النعيم في الحيلة 6/66و67 ) لأنه لا يُدرَك . فالتفكر في ما لا يُدْرَك ، لا يزيد إلا عمى وحيرة وتيها . وأما الخوض في الذي يدرك ، ويعقل فإنه لم يَنْهَ عن مثله . وأصله ما ذكرنا من إباحة التكلم في الدين والخوض في الكلام في كثير من الآيات . من ذلك قوله تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } الآية( النحل : 125 ) ونحوه .
قال الشيخ : رحمه الله ولا نفسر الروح : ما هو ؟ لما لا نعلم أنهم ما أرادوا بالروح ، وهم قد علموا ما أرادوا ، أو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوا ذلك عما في كتبهم ليعلموا صِدْقَهُ ما يدعي من الرسالة لما علموا أن غير الرسول لا يعلم ذلك . والله أعلم .
وقوله تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }قال بعضهم : أي ما أوتيتم من العلم الذي به مصالحكم ، وما جاءكم إلا قليلا .
وقال بعضهم : أي ما أوتيتم من العلم الذي عنده إلا قليلا ، وهو هكذا : أنا لم نؤت من العلم إلا علم ظواهر الأشياء وباديها ، لم نؤت علم بواطن الأشياء وحقائقها . وذلك أنا نعلم أن البصر ، يبصر ، والسمع ، يسمع ، واللسان ، ينطق ، واليد تقبض وتأخذ ، والرِّجْلَ ، تمشي ، والعقل ، يدرك . لكن لا نعلم المعنى الذي جعل فيه ؛ به يسمع ، وبه يبصر ، وبه ينطق ، وبه يأخذ ، وبه يمشي ، وبه يدرك .
وكذلك نعرف هذه الجواهر التي نشاهدها ، ونعاينها ، بأن هذا حمار ، وهذا ثور ، وهذا كذا . ولكن لا نعرف المعنى الذي صار ( فيه ){[11195]} هذا حمارا ، وهذا ثورا . وكذلك كل ( الجواهر والأجناس ){[11196]} فلا نعرف من العلوم التي أنشأها الله إلا القليل منها : ظواهرها ، وأما الحقائق فلا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.