الآية 65 وقوله تعالى : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) فيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه قال : ولقد علمتم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الذين اعتدوا منكم في السبت ، ولا كان علم ما فعل بهم ، ثم علم ذلك ؛ فإنما علم بالله عز وجل لأنه لم يكن قرأ كتابكم ، ولا كان يختلف إلى أحد ممن يعرف ذلك ، فبالله عز وجل [ عرف ]{[928]} ذلك ، وبه علم ، فدل أنه رسول الله إليكم .
ويحتمل قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) أي علمتم ما أصاب أولئك باعتدائهم يوم السبت بالاصطياد ، كنتم تقولون : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] يعني أبناء رسل الله وأحباءه . فلو كان كما تقولون لم يكن ليجعلكم{[929]} قردة ، وهي أقبح خلق الله وأوحشه ؛ إذ مثل ذلك لا يفعل بالأحباء والأبناء . أو ان يحمل على التحذير لهؤلاء لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا يعصوه في أمره ، فيصيبكم ما أصاب أولئك بتكذيبهم موسى وعصيانهم أمره ، والله أعلم .
ثم{[930]} سبب تحريم الاصطياد في السبت كان ، والله أعلم ، لما قيل : إن موسى [ عليه السلام ]{[931]} أراد أن يجعل يوما لله خالصا للطاعة له والعبادة فيه . وهو يوم الجمعة فخالفوا هم أمره ونهيه ، وقالوا : نجعل ذلك اليوم{[932]} السبت لأنه لم يخلق لعمل ، فحرم الاصطياد في ذلك اليوم لذلك ، وحولوا قردة عقوبة لهم ؛ لما نهوا عن الاصطياد في ذلك اليوم ، فاصطادوا . وعلى ذاك تأويل قوله : ( إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ) [ النحل : 124 ] يعني [ يوم الجمعة ، وقيل : ( اختلفوا فيه ) يعني ]{[933]} في الله .
ثم اختلف في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) قال قوم : قوله : ( كونوا قردة ) من الأصل على ذهاب الإنسانية منهم ، وقيل : حول جوهرهم إلى جوهر القردة على إبقاء الإنسانية فيهم من الفهم والعقل لأنه قيل : إن الذين ينهونهم عن الاصطياد في ذلك اليوم دخلوا عليهم ، فقالوا{[934]} : لهم : ألم ننهكم عن ذلك ، ونزجركم ؟ فأومَوا{[935]} أي نعم ، ودموعهم تفيض على خدودهم . فلو كان التحويل على ذهاب جميع الإنسانية منهم لكانوا لا يفهمون ذلك ، ولا حزنوا على ما أصابهم ، لأن كل ذي جوهر راض بجوهره الذي خلقه الله ، سبحانه ، يسر به ، ولأن تحويله إياهم قردة عقوبة لتمردهم في التكذيب وجرأتهم على الله ليعلموا ذلك ، ويروا أنفسهم أقبح خلق الله وأوحشه .
وفيه نفض قول المعتزلة لأنهم يقولون : ليس في خلق الله قبيح ؛ فلو لم يكن في خلق الله قبيح{[936]} لم يكن لتحويل صورتهم من صورة الإنسان إلى أقبح صورة معنى ليروا قبح أنفسهم عقوبة لهم بما عصوا أمر الله ، ودخلوا{[937]} في نهيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.