فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (65)

والسبت في أصل اللغة : القطع ؛ لأن الأشياء تمت فيه وانقطع العمل . وقيل : هو مأخوذ من السبوت ، وهو الراحة ، والدعة . وقال في الكشاف : «السبت مصدر سبتت اليهود ، إذا عظمت يوم السبت » . انتهى . وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين : ففرقة اعتدت في السبت : أي : جاوزت ما أمرها الله به من العمل فيه ، فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه ، والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين . ففرقة جاهرت بالنهي ، واعتزلت ، وفرقة لم توافق المعتدين ، ولا صادوا معهم ، لكنهم جالسوهم ، ولم يجاهروهم بالنهي ، ولا اعتزلوا عنهم ، فمسخهم الله جميعاً ، ولم تنج إلا الفرقة الأولى فقط ، وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة ، وعاندوا أنبياءهم ، وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم ، وسخف عقولهم ، وتعنتهم نوعاً من أنواع التعسف ، وشعبا من شعب التكلف ، فإن الحيتان كانت في يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله : { إِذْ تَاتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَاتِيهِمْ كذلك نَبْلُوهُم } [ الأعراف : 163 ] فاحتالوا لصيدها ، وحفروا الحفائر ، وشقوا الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت ، فيصيدونها يوم الأحد ، فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة . والخاسئ : المبعد ، يقال : خسأته ، فخسأ ، وخسيء ، وانخسأ : أبعدته ، فبعد . ومنه قوله تعالى : { يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا } [ الملك : 4 ] أي : مبعداً . وقوله : { اخسأوا فِيهَا } [ المؤمنون : 108 ] أي : تباعدوا تباعد سخط ، ويكون الخاسىء بمعنى الصاغر . والمراد هنا : كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين ، فقردة خبر الكون ، وخاسئين خبر آخر ، وقيل : إنه صفة لقردة ، والأوّل أظهر .

/خ66