الآية 67 وقوله تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) قيل : [ قتل قتيل ]{[945]} في بني [ إسرائيل ]{[946]} ، وألقي على باب غيرهم ، فتنازعوا فيه ، واختلفوا ، فأمر الله تعالى نبيه موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة ، فقال : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فاضربوا ببعضها ذلك الميت ، فيحيى ، فيقول : من قتلني .
[ وقوله تعالى ]{[947]} : ( قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ){[948]} ، قال بعضهم : كفروا بهذا القول لأنهم سموه هازئا ، ومن سمى رسولا من الرسل هازئا يكفر{[949]} ؛ ألا ترى أنهم قالوا في الآخر ( الآن جئت بالحق ) ؟ [ البقرة : 71 ] دل أن [ ما ]{[950]} قال لهم أول مرة ليس بحق عندهم . وليس هذا بشيء ، ولا يحتمل ما قالوا [ على الهزء ]{[951]} ولكن يحتمل ما قالوا [ على المجازاة ]{[952]} ؛ كأنهم قالوا : أتجازينا بهذا لما مضى منا ، وسبق من العصيان بك والخلاف [ لك ]{[953]} ؟ لما لم يعلموا أنه من عند الله يأمر بذلك . وهذا وأمثاله على المجازاة جائز على ما ذكرنا{[954]} من الاستهزاء والمخادعة والمكر ، كله على المجازاة جائز ، وكقول نوح لقومه : ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) [ هود : 38 ] على المجازاة . فكذلك الأول .
وأما الاستهزاء في ما بين الخلق فهو جهل : يسخر بعضهم ببعض لجهل بأحوال أنفسهم ، إذ كلهم سواء من جهة الجوهر والخلقة وتركيب الجوارح وتصوير الصور وتمثيلها . ألا ترى أن موسى أجاب لهم عن الهزء بالجهل فقال : ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) [ البقرة : 67 ] وأن{[955]} الهزء في الخلق لجهل فيهم ؟ وبالله التوفيق .
ثم استدل قوم بهذه الآية على عموم الخطاب وقت قرع السمع لأنه أمرهم بذبح بقرة ، لم يبين لهم كيفيتها ولا ماهيتها وقت الخطاب إلا بعد البحث والسؤال عنها ، فثبت أنه على العموم . ألا ترى ما روي في الخبر : " لو عمدوا إلى أدنى بقرة لجزتهم{[956]} ، لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم " ؟ [ ابن جرير الطبري في تفسيره 1/338 ] . لكن هذا لا يصح لأنه دعوة على الله لحدوث شيء في أمره وبدو في حكمه ، فذلك كفر ؛ لا يقوله مسلم فضلا عن [ ألا يقوله ]{[957]} رسول من الرسل . تأويل هذا أنه قال : إنه يقول كذا ، فلو كان الأول على غير ذلك لكان قد بدا له في ما [ عمّم ، وفسر أنه ]{[958]} لم يكن أراد ، [ البداء ، بل ]{[959]} معنى الرجوع عن الأول مما أراد والتفسير له بغيره ، ولا قوة إلا بالله .
ثم في الآية دليل خصوص الخطاب من وجهين :
أحدهما : أخذ كل آية خرجت في الظاهر على العموم [ حتى الخصوص .
والثاني : جواز تأخير البيان على ما تقدم الأمر به لما ذكرنا أنها لو حملت على العموم ]{[960]} وهو مرادها ، ثم ظهر الخصوص ، فهو بدو وحدوث في الأحكام والشرائع ، فذلك حال من جهل العواقب والنهايات . تعالى الله عن ذلك .
ومعنى سؤالهم بدعاء الرب لهم البيان بما أريد جعل ذلك آية ، فوقع عندهم أن لا كل بقرة تصلح للآيات ؛ ولذلك لم يسألوا موسى عن تفسيرها ، إذ الله تعالى هو الذي يعلم الآيات .
والحرف الثاني هو الأول الذي قلنا : إليه انصرف المراد في الابتداء لما يوجبه ، وإن الأمر بالذبح في الابتداء كان على ما آل أمرها إليه ، وظهر . لكنهم أمروا بالسؤال عنها والبحث عن أحوالها ليصلوا إلى المراد فيه ، لا{[961]} أنه أحدث لهم ذلك بالسؤال . وعلى ذلك ما روي في الخبر : " أن صلة الرحم تزيد في العمر " [ ابن عساكر 5/210 ] [ أي ] ]{[962]} لما علم من عبده أنه يصل رحمه جعل مدة عمره أكثر مما لو علم أنه لا يصل لا أنه يجعل أجله إلى وقت . فإذا وصل رحمه زاد على ذلك لا على ما يقوله المعتزلة : إن الله تعالى يجعل لكل أحد أجلين ؛ فإذا وصل [ رحمه ]{[963]} أماته في أبعد الأجلين ، وإذا لم يصل جعل أجله الأول . فهذا أمر من يجعل العواقب ؛ فأما من كان عالما بالعواقب فلا ؛ لأنه بدو ورجوع عما تقدم من الأمر .
ثم [ من ]{[964]} استدل بهذه الآية بقبول قول أولياء المقتول وهم لأوجه :
أحدها : ما لا يقبل قول القتيل قبل خروج الروح منه : إن فلانا قتلني في قطع الميراث وإغرام الدية .
والثاني أن ذلك كان آية عظيمة لهم لم يكن ذلك لغيرهم .
والثالث : أن أولياء المقتول قد كانوا قبل أن يحيى يدعون عليهم القتل ، فلو كان لهم حق القبول لم يحتج إلى تلك الآية .
والرابع : أن قبول قول الميت أحق من قبول قول الولي ، لأن الولي ينتفع بقوله [ شيئا ]{[965]} . ثم القتيل لا يقبل قوله في شريعتنا ، فكذلك الولي ، والله الموفق .
ثم{[966]} توجه{[967]} حكمة{[968]} جعل البقرة آية دون غيرها وجهين{[969]} :
أحدهما : ما روي أن رجلا كان بارا بوالديه محسنا{[970]} إليهما [ عاطفا عليهما ]{[971]} ، وكانت له بقرة على تلك الصفة والشبه ، فأراد الله عز وجل أن يوصل إليه في الدنيا جزاء ما كان منه بمكان والديه .
والثاني : أنهم كانوا يعبدون البقور والعجاجيل ، وحبب/13/-أ/ذلك إليهم كقوله : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) [ البقرة : 93 ] ، ثم تابوا ، وعادوا إلى عبادة الله وطاعته ، فأراد الله أن يمتحنهم بذبح ما حبب إليهم ليظهر منهم حقيقة التوبة وانقلاع ما كان في قلوبهم من حب البقور والعجاجيل ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.