الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (65)

وقوله : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ( {[2402]} ) فِي السَّبْتِ )[ 64 ] .

قال ابن عباس : " لم يبعث الله قط نبياً إلا عرفه فضل الجمعة وعظمها في السموات وأن الساعة/ تقوم فيها ، وتشريف الملائكة لها . وبلغت الرسل أممها ذلك ، فسمع( {[2403]} ) أكثرهم وأطاع وعرف فضلها . فلما كان موسى أخبر بني إسرائيل بفضلها على الأيام فقالوا : يا موسى ، كيف تأمرنا( {[2404]} ) بالجمعة وتفضلها على الأيام ، والسبت أفضل لأن كل شيسء سبت لله مطيعاً يوم السبت ، وخلق الله السموات والأرض في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة( {[2405]} ) . ويوم السبت كمل الأمر ؟ وقالت النصارى لعيسى صلى الله عليه وسلم إذ أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها : كيف تأمرنا بالجمعة وأول الأيام أفضلها وسيدها ، والله واحد ، والواحد الأول ، والأحد أول ؟ فأوحى الله عز وجل إلى عيسى صلى الله عليه وسلم أن دَعْهُم والأحد ، ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا فلم يفعلوا . وقال لموسى صلى الله عليه وسلم كذلك في السبت . وأمرهم أن لا يصيدوا فيه سمكاً( {[2406]} ) ولا غيره ، ولا يعملوا فيه عملاً . فكان يوم السبت تظهر فيه الحيتان على وجه الماء فهو قوله : ( إِذْ تَاتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَاتِيهِمْ )( {[2407]} ) ثم إنهم تناولوها( {[2408]} ) في السبت فلم ينكر بعضهم على بعض ، ثم كفوا( {[2409]} ) فلما رأوا العقوبة لا تنزل بهم عادوا( {[2410]} ) وأخذوا . وكان موسى( {[2411]} ) قد حذرهم العقوبة إن تعدوا( {[2412]} ) في السبت ، فلما رأوا لا( {[2413]} ) تنزل عليهم عقوبة ظنوا ما قال لهم موسى صلى الله عليه وسلم باطلاً ، فمسخوا قردة وحيوا ثلاثة أيام وماتوا " ( {[2414]} ) .

قال ابن عباس : " لم يعش مسخ قط أكثر من ثلاثة أيام ولا يأكل ولا يشرب ولا ينسل . وكان الله تعالى قد خلق القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة [ الأيام التي ذكر ، فمسخ أولئك في صور ] ( {[2415]} ) القردة " ( {[2416]} ) .

قال الحسن : " كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت/ فتبطح( {[2417]} ) بأفنيتهم كأنها المخاض ثم تذهب( {[2418]} ) فلا ترى " .

قال ابن عباس : " لما طال عليهم أمر الحيتان وإتيانها يوم السبت ولا تأتي في غيره ، عمد رجل منهم فأخذ حوتاً يوم السبت فحزمه بخيط وأرسله في الماء وتَّدَ له( {[2419]} ) وتداً في الساحل فأوثقه ، حتى إذا كان الغد أخذه فأكله ، فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك ، فوجد الناس ريح الحيتان ، ثم علموا بما فعل( {[2420]} ) ذلك الرجل ففعلوا مثل( {[2421]} ) ما [ فعل وأكلوا زمناً طويلاً ، ولم( {[2422]} ) ] يعجل الله عليهم بالعقوبة حتى صادوا( {[2423]} ) علانية وباعوها في الأسواق . فقالت طائفة من أهل التقوى : " ويحكم اتقوا الله " ونهوهم عما يصنعون . وقالت طائفة أخرى لم يصنعوا مثل ما صنع أولئك : / ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً )( {[2424]} ) ، فنجى الله الذين ينهون عن السوء ومسخ الفاعلين " ( {[2425]} ) .

واختلف في الذين/ لم يعملوا ولم ينهوا وقالوا : ( لِمَ تَعِظُونَ ) الآية .

قيل( {[2426]} ) : إنهم نجوا مع الناجين( {[2427]} ) . وقيل : مُسِخُوا مع مَن مسخ( {[2428]} ) . [ والسبت أصله ]( {[2429]} ) الراحة والهدوء . والسبت ضرب من السير . والسبت [ الحلق ؛ / يقال سَبَتَ رَأسَهُ( {[2430]} ) ] حَلَقَهُ( {[2431]} ) . والسبت القطع( {[2432]} ) . وجمعه " أَسْبُتٌ " و " سَبَتَاتٌ " بالتحريك لأنه اسم . وفي الكثير السبوت والسبات .

وقال السدي : / " كان الرجل منهم من شهوة الحوت يحفر الحفرة ويجعل( {[2433]} ) نهراً إلى البحر ، فيدخله الماء يوم السبت بالحوت ، ثم لا يقدر الحوت أن يرجع إلى البحر لقلة الماء ، فيصبح يوم [ الأحد ويأخذه ]( {[2434]} ) . فنهوهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا " ( {[2435]} ) .

وروي عن مجاهد أنه قال : " مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله( {[2436]} ) كمثل الحمار يحمل أسفاراً " ( {[2437]} ) .

وجميع أهل التفسير على خلاف ذلك لأنهم مسخوا قردة حقيقة( {[2438]} ) .

وقوله : ( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً ) [ 64 ] .

هو أمر ، وتأويله الخبر . أي : فكوناهم قردة ، وهذا هو الأمر الذي يكون به الخلق ، فحولهم من خلقة إلى خلقة أخرى ، فهو( {[2439]} ) مثل قوله : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ اِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون )( {[2440]} )( {[2441]} ) . ( خَاسِِئينَ ) . أي : مبعدين ، أي مطرودين( {[2442]} ) . هذا قول أهل اللغة( {[2443]} ) .

وقال مجاهد وقتادة : " خاسئين : صاغرين " ( {[2444]} ) .

وقال الربيع : " أذلة صاغرين " ( {[2445]} ) .

وروي عن ابن عباس : " خاسئاً ذليلاً " ( {[2446]} ) .


[2402]:- سقط من ق.
[2403]:- في ع2: فسمع ذلك.
[2404]:- في ع3: تأمر.
[2405]:- في ع3: يوم الجمعة.
[2406]:- في ع1، ق، ع3: سمك. وهو خطأ.
[2407]:- الأعراف آية 163.
[2408]:- في ح: في يوم.
[2409]:- في ع3: كفروا. وهو تحريف.
[2410]:- سقط من ع3.
[2411]:- سقط من ق. وفي ح، ع3: موسى صلى الله عليه وسلم.
[2412]:- في ع2: يعودوا. وفي ع3: يعيدوا.
[2413]:- في ع2، ق: ألا.
[2414]:- انظر: جامع البيان 2/167-169.
[2415]:- في ع3: أيام التي ذكر فمسخ أولئك في صورة".
[2416]:- انظر: تفسير القرطبي 1/441، وتفسير ابن كثير 1/105، والدر المنثور 1/184.
[2417]:- في ع2، ق، ع3: فيبطح.
[2418]:- في ع2: ذهب.
[2419]:- في ق: وتديه. وفي ع3: وجعله.
[2420]:- في ع2: فعلوا.
[2421]:- قوله: "مثل ذلك..فلعلوا مثل" سقط من ع3.
[2422]:- في ق: وصل وأكلوا زمناً طويلاً فلم.
[2423]:- في ع3: صدوا. وهو تحريف.
[2424]:- الأعراف آية 164.
[2425]:- انظر: جامع البيان 2/169، والمحرر الوجيز 1/251، وتفسير ابن كثير 1/106.
[2426]:- في ق: وقيل.
[2427]:- انظر: جامع البيان 2/170، والمحرر الوجيز 1/251.
[2428]:- انظر: المصدر السابق.
[2429]:- في ع3: وأصل السبت.
[2430]:- في ع3: الحق، يقال سبت واسمه. وهو تحريف.
[2431]:- في ع2، ح، ق، ع3: حلقته.
[2432]:- انظر: معاني "السبت" في مفردات الراغب 226، وتفسير القرطبي 1/440، واللسان 2/79-80.
[2433]:- في ع2، ع3: يجعل معه.
[2434]:- في ع2: الحد ويأخذ.
[2435]:- انظر: جامع البيان 2/171-172، وتفسير ابن كثير 1/106.
[2436]:- سقط من ع3.
[2437]:- انظر: تفسير مجاهد 1/77-78.
[2438]:- انظر: جامع البيان 2/173، والمحرر الوجيز 1/253.
[2439]:- في ع3: وهو.
[2440]:- النحل آية 40.
[2441]:- انظر: هذا التوجيه في المحرر الوجيز 1/251، والآية: في ع2، ع3: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً اَنْ يَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 81].
[2442]:- في ق: مطردين.
[2443]:- انظر: مجاز القرآن 1/43، وتفسير الغريب 52، واللسان 1/829.
[2444]:- انظر: جامع البيان 2/175، والدر المنثور 1/185.
[2445]:- انظر: جامع البيان 2/175.
[2446]:- انظر: جامع البيان 2/175، والدر المنثور 1/185.