بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (65)

ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنكُمْ فِى السبت } ، أي اصطادوا ، ويقال : استحلوا أخذ الحيتان يوم السبت . والسبت في اللغة هو الراحة ، كما قال في آية أخرى { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } [ النبأ : 9 ] أي راحة . فيوم السبت كان راحة لليهود عن أشغال الدنيا . وهذه الآية على معنى التحذير والتهديد ، فكأنه يقول : إنكم تعلمون ما أصاب الذين استحلوا أخذ السمك في يوم السبت من العقوبة ، فاحذروا كيلا يصيبكم مثل ما أصابهم ، وذلك أن مدينة يقال لها آيلة على ساحل البحر كان يجتمع فيها السمك يوم السبت حتى يأخذ وجه الماء ، وفي سائر الأيام لا يأتيهم إلا قليل . وقال بعض أهل القصص : إنما كانت الحيتان تجتمع هناك لزيارة السمكة التي كان في بطنها يونس عليه السلام ففي كل سبت يجتمعون لزيارتها . وقال بعضهم : لم يكن لهذا المعنى ، ولكن كانت محنة أولئك القوم ، فاحتالوا وحبسوا ذلك السمك في يوم السبت وأخذوه يوم الأحد ، فلما لم تصبهم العقوبة لفعلهم ذلك أمنوا ، واستحلوا أخذها فمسخهم الله قردة . وقد بيّن قصتهم في سورة الأعراف في قوله تعالى : { وَسْأَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر إِذْ يَعْدُونَ فِى السبت إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كذلك نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [ الأعراف : 163 ]

ثم قال تعالى : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين } ، يعني مبعدين من رحمة الله . وأصله في اللغة من البعد . يقال : خسأ الكلب إذا بعد . ويقال : { خاسئين } أي صاغرين ذليلين .