تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

الآية 58 وقوله تعالى : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ) اختلف{[838]} في تلك القرية : قيل : إنها بيت المقدس كقوله : ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) [ المائدة : 21 ] أمروا بالدخول فيها والمقام هنالك لسعة عيشهم فيها ورزقهم إذ هو الموصوف بالسعة والخصب ، وقيل : إن تلك القرية التي أمروا بالدخول [ فيها ]{[839]} والمقام هنالك هي قرية على انقضاء التيه والخروج منها . غير أن ليس لنا إلى معرفة تلك القرية حاجة ، وإنما الحاجة إلى الخلاف الذي كان منهم وما يلحقهم بترك الطاعة له والائتمار ، والله أعلم / 11- ب/ .

[ قوله تعالى ]{[840]} : ( فكلوا منها حيث شئتم رغدا ) والرغد قد ذكرنا في ما{[841]} تقدم أنه سعة العيش وكثرة المال .

وقوله : ( وادخلوا الباب سجدا ) يحتمل المراد من الباب حقيقة الباب ، وهو باب القرية التي أمروا بالدخول فيها ، ويحتمل [ المراد ]{[842]} من الباب القرية نفسها لا حقيقة الباب كقوله ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ) ذكر القرية ، ولم يذكر الباب ، وذلك في اللغة سائغ{[843]} جائز ؛ يقال : فلان دخل في باب كذا ، لا يعنون حقيقة الباب ، ولكن كونه في أمر هو فيه .

وقوله : ( سجدا ) يحتمل المراد من السجود حقيقة السجود ، فيخرج على وجوه : يخرج على التحية لذلك المكان ، ويخرج{[844]} على الشكر له لما أهلك أعداءهم الذين كانوا فيها [ لقوله ]{[845]} : ( إن فيها قوما جبارين ) [ المائدة : 2 ] ، ويحتمل [ حقيقة السجود ]{[846]} لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه قال ]{[847]} : " إن بني إسرائيل أمروا بالدخول سجدا ، فدخلوا منحرفين " [ بنحوه مسلم : 3015 ] فما أصابهم إنما أصاب بخلافهم أمر الله تعالى ، ويحتمل الكناية عن الصلاة ؛ إذ العرب تسمي السجود صلاة ، كأنهم أمروا بالصلاة فيها{[848]} .

ويحتمل الأمر بالسجود لا حقيقة السجود والصلاة ، ولكن أمر بالخضوع له والطاعة والشكر له على أياديه التي [ أسدى إليهم ، وأزل من سعة العيش ]{[849]} والتصرف فيها في كل حال ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وقولوا حطة تغفر لكم خطاياكم ) قيل بوجهين : قيل : الحطة : هو قول : ( إله إلا الله ) [ الصافات : 35 ] ؛ سميت حطة لأنها تحط كل خطيئة كانت من الشرك وغيره ؛ فكأنهم أمروا بالإيمان والإسلام ، وقيل : ( وقولوا حطة ) أي اطلبوا المغفرة ، والتجاوز عما ارتكبتموه من المآثم والخطايا ، والندامة على [ ما كان منكم ؛ فكأنهم أمروا أن يأتوا بالسبب الذي به يغفر الذنوب ، وهو الاستغفار والتوبة والندامة على ذلك ، والله أعلم ؛ وذلك يحتمل الشرك والكبائر وما دونها .

ذكر عز وجل مرة خطايا ، ومرة خطيئات ، ومرة قال : ادخلوا ، ومرة قال : اسكنوا ، ومرة قال : فأنزلنا ، ومرة قال : فأرسلنا ، والقصة واحدة ، حتى يعلم أن ليس في اختلاف الألفاظ والألسن تغيير المعنى ، والمراد أن{[850]} الأحكام والشرائع التي وضعت لم توضع للأسامي والألفاظ ولكن للمعاني المدرجة والمودعة فيها ، والله أعلم .

وقوله : ( وسنزيد المحسنين ) يحتمل المراد من المحسنين المسلم{[851]} الذي كان أسلم قبل ذلك ، ويحتمل الذي أسلم بعد قوله : ( وقولوا حطة ) وكان كافرا إلى ذلك الوقت .

والزيادة تحتمل التوفيق بالإحسان من بعد [ ذلك ]{[852]} كقوله : ( فأما من أعطى واتقى ) [ الليل : 5 ] الآية ، وتحتمل الثواب على ما ذكر من قوله : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) [ القصص : 54 ] الآية .


[838]:- من ط م و ط ع، في الأصل: اختلفوا.
[839]:- من ط ع.
[840]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[841]:- في تفسير الآية: 35.
[842]:- من ط م.
[843]:- من ط م، في الأصل و ط ع: شائع.
[844]:- من ط م، في الأصل و ط ع: ويحتمل.
[845]:- من ط م، في ط ع: كقوله، ساقطة من الأصل.
[846]:- من ط م، في ط ع: حقيقته، في الأصل: حقيقة.
[847]:- من ط م و ط ع: قال، ساقطة من الأصل.
[848]:- في ط م: بها.
[849]:- في الأصل: أسند إليهم وأزل من سعة الصلاة، في ط م: أسدى إليهم وأزال من سعة التعيش، في ط ع: أسد إليهم وأزل من سعة العيش.
[850]:- في ط م: وأن.
[851]:- في النسخ الثلاث: المعلم.
[852]:- ساقطة من النسخ الثلاث.