تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

[ الآية 10 ] وقوله تعالى : { وألق عصاك فلما رآها تهتز } في الآية الأمر بإلقاء العصا ، ولم يذكر أنه ألقاها ، ولكن فيه إضمار : { وألق عصاك } فألقاها { فلما رآها تهتز كأنها جان } ذكر أهل التأويل : أن الجان هي الحية الصغيرة ، ليست بعظيمة . لكنه أخبر أن موسى خافها ، وولى مدبرا .

وموسى لا يحتمل أن يخاف من حية صغيرة على الوصف الذي ذكر ؛ فكأنها كانت عظيمة ، لكنها في تحركها والتوائها ، كأنها صغيرة ، إذ الحية العظيمة الكبيرة ، لا تقدر على التحرك والالتواء كالصغيرة . لذلك خافها موسى حتى نهاه الله عن ذلك ، وقال : { لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون } .

وقوله تعالى : { ولم يعقب } قال بعضهم : لم يرجع ، وقال بعضهم : لم يلتفت ، وهو مأخوذ من العقب .

والجان : قال بعضهم : من الجن ، والجان الحية ، ولا يكون من الجن [ وهو قول ]{[14926]} أبي عبيدة [ أيضا ]{[14927]} .

وقوله تعالى : { لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون } فإن قيل : كيف نهاه عن الخوف ؟ وأخبر أنه لا يخاف لديه المرسلون ، وقد مدح الله الملائكة وغيرهم من الخلائق بالخوف من ربهم حين{[14928]} قال : { يخافون ربهم من فوقهم } [ النحل : 50 ] وقال في آية أخرى : { يدعون ربهم خوفا وطمعا } [ السجدة : 16 ] [ وقال في آية أخرى ]{[14929]} { تدعونه تضرعا وخفية } [ الأنعام : 63 ] وأمثال ذلك من الآيات مما فيها مدحهم بالخوف من ربهم . لكنه يخرج على وجوه :

أحدهما : أنهه قد أمن موسى حين{[14930]} قال : { ولا تخف إنك من الأمنين } [ القصص : 31 ] . فكأنه قال ههنا : لا تخف بعدما أمنتك { إني لا يخاف لدي المرسلون } إذ أمنتهم .

والثاني : لا تخف من غيري { إني لا يخاف لدي المرسلون } من غيري . فكأنه قال ، والله أعلم : على هذا التأويل : إنما نهاه عن الخوف من غيره ، وأخبر أنه لا يخاف لديه المرسلون .

والثالث : إخبار وأمن منه من خوف الآخرة وأهوالها ، كأنه قال : لا تخف فإني سأؤمن المرسلين من خوف يومئذ .


[14926]:- في الأصل وم: وقول.
[14927]:- ساقطة من الأصل وم.
[14928]:- في الأصل وم: حيث.
[14929]:- في الأصل وم: و.
[14930]:- في الأصل وم: حيث.