تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

[ الآية 57 ] وقوله تعالى : { وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } دل قولهم : { إن نتبع الهدى معك } هو على أنهم عرفوا ما جاء به رسول الله ، ويدعوهم إليه ، هو الهدى حين{[15440]} قالوا : { إن نتبع الهدى معك } وقوله تعالى : { نتخطف من أرضنا } يخرج لهم هذا وجهين :

أحدهما : أي نهلك ، ونفنى جوعا ، إذا خالفنا أهل الآفاق في الدين ، لأن أرزاقهم وما به قوام أبدانهم إنما يحمل ، ويمار من الآفاق . فيقولون : إنا إذا اتبعنا الهدى معك ، وخالفناهم في الدين ، فأهل الآفاق منعونا الميرة ، فنهلك ، ونموت جوعا ، فذلك تخطفهم من الأرض .

والثاني : قالوا ذلك مخافة أن يغزوا ، ويؤسروا ، أو يقتلوا إذا خالفوا أهل الآفاق والأطراف في الدين ، واتبعوا الهدى مخافة الأسر والقتل .

فأجابهم الله ، ورد عليهم اعتلالهم في الوجهين .

فقال [ في الوجه الأول ]{[15441]} { أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا } يقول ، والله أعلم : إنا جعلناهم في الحرم آمنين ، وما يمتار إليهم من أنواع الثمرات باللطف ، لا بموافقة الدين .

ألا ترى أنهم مع موافقة الدين كانوا يتخطفون الناس منهم حين{[15442]} قال في آية أخرى : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } ؟ [ العنكبوت : 67 ] أخبر أنهم مع موافقتهم في الدين كانوا يتخطفون . دل أنه إنما جعل لهم الحرم مأمنا والميرة إليهم باللطف لا بالموافقة في الدين حتى [ لا يتعرض ]{[15443]} لأهل الحرم في الحرم ولا خارجا منه ، ولا يتعرض من دخل الحرم بشيء ليعلم أنه كان ذلك باللطف من الله لا بالموافقة .

[ وفي ]{[15444]} الثاني : إنه مع ما كانوا يعبدون الأصنام دون الله فيه ، لا يمنعهم الرزق ، ويؤمنهم فيه ؛ فلأن يفعل ذلك بهم عند عبادتهم [ الله تعالى وتركهم عبادة ]{[15445]} غيره أحق أن يرزقوا ، ويأمنوا فيه .

وقوله تعالى : { يجبى إليه ثمرات كل شيء } أي من كل جنس ونوع من الثمرات يجبى إليه . وظاهره أن يجبى إليه من كل شيء أرفعه وأنفعه ؛ وذلك [ ثمره ، أن ثمر ]{[15446]} كل شيء أرفعه وأنفعه . يقال : ثمرة الشيء كذا ، وثمرة هذا الكلام كذا ، أي ما ينتفع من هذا هذا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أي ولكن أكثرهم لا يعلمون أن{[15447]} أي ما يحمل إليهم من الآفاق ، ويجبى إليهم من الثمرات والأطعمة إنما هو باللطف لا بموافقة الدين . وكذلك لا يعلمون أن أمنهم فيه باللطف لا بموافقة الدين ، والله أعلم .


[15440]:- في الأصل وم: حيث.
[15441]:- ساقطة من الأصل وم.
[15442]:- في الأصل وم: حيث.
[15443]:- من م، في الأصل: يتعرضوا.
[15444]:- في الأصل وم: و.
[15445]:- من م، ساقطة من الأصل.
[15446]:- في الأصل وم: ثمرته لأن ثمرة.
[15447]:- في الأصل وم: أي.