الآية 188 وقوله تعالى : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } قيل : بما غيروا من بعث{[4711]} محمد ( عليه أفضل الصلوات ) {[4712]} وصفته في كتابهم وكتموه وتبديلهم الكتاب وإعجاب{[4713]} الناس ذلك وحمدهم على ذلك وقيل : إن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك وليس ذلك في قلوبهم فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم المسلمون : ما ص نعتم فيقولون : عرف ناه وصدقناه فيقول المسلمون : أحسنتم بارك الله فيكم يحمدهم المسلمون على ما أظهروا من الإيمان وهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا . وقيل : إنهم قالوا : نحن اهل الكتاب الأول والعلم وأهل الصلاة والزكاة ولم يكونوا كذلك وأحبوا أن يحمدوا على ذلك والله أعلم بالقصة .
وفي قوله أيضا : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } الآية دل ما ذم الله عباده وأوعدهم عليه أليم عقابه في ما أحبوا الحمد على ما لم يفعلوا . تعالى الرب عن قول المعتزلة في قلوهم : ليس الله في الإيمان تدبير سوى الأمر ، ولا صنع وقد أحب أن يحمد عليه بقوله عز وجل : { أنع مت عليهم } ( الفاتحة 6 ) وبقوله عز وجل : بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } ( الحجرات 17 ) وقوله تعالى : { فلولا فضل اله عليكم ورحمته } ( البقرة 64 و66 ) في غير موضع من القرآن ولا قوة إلا بالله قال تعالى : { والله على كل شيء قدير } امتدح جل ثناؤه بإدخال كلية الأشياء تحت قدرته وبه خوف من عاند نعمته وأطمع من خضع له عظيم ثوابه فلئن جاز إخراج شيء تحت القدرة عن قدرته اضمحل الخوف عما خوفه وأرجاه في ما أطمعه{[4714]} إن لم يظهر على ذلك قدرته غلا بقوله { وهو على كل شيء قدير } ( المائدة 12 و66 ) ولا صنع لأحد في شيء إلا بإقداره ومحال أن يقدر على ما لا يقدر هو عليه أو تزول به قدرته لما فيه ما ذكرت فلذلك فلنا في بطلان قول المعتزلة بإخراج أفعال صنع الخلق عن قدرة الله وامتناعه عن تدبيره ولا قوة إلا بالله .
قال الله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض } إلى قوله عز وجل : لأولي الألباب } وبالله نستعين أخبر الله عز وجل أن في ما ذكر آيات لمن ذكر . ومعلوم أن الآيات إنما احتج إليها لمعرفة أمور غابت عن الحواس ويوصل إليها بالتأمل والبحث عن الوجوه التي لها جع لت تلك الأشياء المحسوسة التي يغني من له اللب دخولها تحت الحواس عن تكلف العلم بها بالتدبير بل علم الحواس هو علم الضرورات وأوائل علوم البشر الذي منه ترتقي إلى درجات العلوم تلزم{[4715]} طلب ذلك فبطل به قول من قال : العلوم كلها ضرورات لا تقع بالأسباب ولا تلزم الخطاب دون تولي الرب إنشاء العلم في القلوب تحقيق{[4716]} ما في الخطاب إذ ذلك يرفع حق الطلب ويستوفي فيه الموصوف باللب وغير الموصوف والمتفكر ( في الأمر وغير المتفكر ) {[4717]} وقد قال اله تعالى { ويتفكرون في خلق السموات والأرض } الآية في ذلك دليل أن المقصود بما أظهر ويعلم ما جعل في الذي دليله علم{[4718]} وهذا لكل أنواع العلوم إن منها ( ظاهرا مستغنيا ) {[4719]} بظهوره عن الطلب وحفيا{[4720]} يطلب بماله في الذي ظهر من أثر ينبئ عنه التأمل واله أعلم .
وفي ذلك دليل لزوم التوحيد باللب إذ صيرها آيات لمن له ذلك وأول درجات العلوم{[4721]} أن يعرف منشئها وجاعلها آيات والله أعلم ثم دل اتصال منافع السماء والأرض على تباعد ما بينهما حتى قام بها وحيي جميع من دب على وجه الأرض وانتفع بشيء ثم في إيصال الليل بالنهار في منافع كل حي على تضاد ما بينهما حتى صارا كالشكلين والسماء والأرض كالقرينين على أن منشئ ذلك كله واحد وأنه لو اختلف المنشئ{[4722]} لتناقض التدبير وبطل وجود{[4723]} كل شيء على ما لو تدبر الحكماء فيه لم يكن يعرف اتصال{[4724]} أقرب في المنافع على اختلاف في الجواهر وتضاد الأحوال وأبلغ{[4725]} من ذلك بل تقصر حكمتهم عن الإحاطة بوجه الحكمة أو الظفر بطرف منها إلا بمعونة من دبر ذلك سبحانه .
وذلك هو الدليل على قدرته وهو سلطانه إذ سخر ذلك ( كله لبذل ) {[4726]} ما فيها من المنافع جعلها له وجعل بعض على بعض سلطانا وقهرا ليعلم ان التدبير يرجع إلى غير ذلك ويعلم أن من قدر على ذلك علم قبل ( خلق ) {[4727]} المنتفعين بما خلق على أي تدبير يخلق ذلك ؟ وبأي وجه يصل كل خلق في ذلك إلى منافعه بها ؟ وما الذي سوى معاشهم ؟ وعلى تدبير دلهم عليه ؟ ( وإنه ) {[4728]} لقادر على إعادة مثله والزيادة منه على أنواع ذلك ؟ إذ لك أمر له حق الابتداء وكان ذلك أبعد عن التدبير مما 76 – ب / له حق الاحتذاء بغيره أو الإعادة مع ما كان في إعادة الليل والنهار وجعل كلا من ذلك كالذي مضى وإن كان الذي مضى مرة دلالة كافية للبعث والقدرة عليه والله الموفق .
ومنها{[4729]} أنها جعلت على تدبير يعرف صاحبها ومنشئها وأنه دبرها على ما فيها من وجوه الحكمة التي صارت الحكمة جزءا منها وفنون العلم التي تناول بالتأمل فيها مما يوضح أن الذي أبرمها حكيم عليم مع ما فيها من آثار الإحكام والإتقان الكافية في الإنباء عن الإنشاء للحكمة وأن الذي أبدع ذلك ليس بباعث ولا سفيه ثم معلوم أن الفعل للهلاك والفناء غير داخل في الحكمة ثبت ذلك غير المقصود فصار المقصود من ذلك وجها يبقى فثبت أن بعد{[4730]} هذه ( الدار دارا ){[4731]} أخرى تبقى ( وهي المقصودة ) {[4732]} جعلت بحق الجزاء وفي ذلك لزوم المحنة والقول بالرسالة ليعلم ب الوحي كيفية وجود{[4733]} المحنة مع ما لم يخل شيء من أن يكون فيه آثار النعمة من غير أن كان منه ما يستحق ذلك فثبت أنه في حق الابتداء ولازم شكر المنعم في العقول فيجب به وجهان :
أحدهما : القول بالرسل لبيان وجوه الشكر إن النعم مختلفة .
وأصل الشكر يتفاضل على قدر المنعمين وكذلك النعم تتفاضل على قدر تفاضل متوليها لابد من بيان ذلك ممن يعرف حقيقة مقادير النعم و جلاله حق المنعم وبالله التوفيق ف كان فيها آيات الرسالة والتوحيد وحكمته وعلمه وجلاله عن الأشباه والشركاء وبها جل عن احتمال الشرك في صنعه أو الشبه .
على أن كل من سواه تحت القدرة وهو المتعالي عن ذلك وفيه دلالة البعث لما ذكرت عقوبة الكفران وقد يخرج المعروف به سليما غريقا في النعم وفي الحكمة والعقل عقوبته لزم أن يكون ثم دار أخرى مع ما كان خلق الخلق لا لمن يعرف الحكمة من السفه والولاية من العداوة والخير من الشر والرغبة ( من الرهبة إذ ) {[4734]} لا معنى له بما فيه تضييع الحكمة وجمع بين الذي حقه التفريق والفعل وذلك آية السفه ومحال كونه من الحكمة صفته والعدل نعته فلزم به خلق الممتحن بالذي ذكرت فصار جميع الخلائق للمحن .
ثم لابد من ترغيب وترهيب إذ على مثله جبل يحتمل{[4735]} المحن ف لزم به القول بالدار الأخرى وهو البعث لتكون إحداهما ب حق ابتداء النعم{[4736]} والأخرى بحق استحقاق الجزاء وإن كان لله التكليف ( بالجزاء لسابق ) {[4737]} النعم : ولا قوة إلا بالله والمعاقبة واجبة في الحكمة لجفاء والكفران وبالله التوفيق .
وقوله تعالى : { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } وقيل { بمفازة } أي بنجاة من العذاب وهو ما ذكرناه من الفوز أنه نجاة على ما يخاف ويحذر أي ليسوا هم بمنجاة من العذاب بل لهم { عذاب أليم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.