الآية 72 وقوله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } قد تكلف أهل التأويل [ في ]( {[16858]} ) تفسير هذه الأمانة( {[16859]} ) قال بعضهم : هي كلمة الشهادة والتوحيد ، ومنهم من قال : هي جميع الفرائض التي افترض الله على عباده . ومنهم من قال : هي الصلاة والصيام والحج وأمثاله وجميع ما أمروا به ونهوا عنه .
لكن التكلف والاشتغال في ماهية هذه الأمانة المذكورة المعروضة على من ذكر فضل ، لا يجب أن يتكلف تفسيرها أنها كذا لأنها مبهمة ، لا تعلم إلا بالخبر الوارد عن الله تعالى أنها كذا ، وأن يجعل ذلك من المكتوم ، لا يشتغل بتفسيره( {[16860]} ) ، والله أعلم بذلك .
ثم اختلف في ما ذكر من عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال وما ذكر من إبائها عن احتمالها والإشفاق .
قال بعضهم : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض } ومن ذكر ؛ أي خلقنا خلقة ما ذكرنا( {[16861]} ) من السماوات والأرض والجبال خلقة ، لا تحتمل ما ذكرنا( {[16862]} ) من الأمانة { فأبين أن يحملنها } إباء خلقة ؛ أي لم يخلق خلقتها بحيث تحتمل ذلك { وحملها الإنسان } أي خلقنا خلقة الإنسان خلقة تحتمل ذلك . إلى هذا يذهب بعضهم .
وقال بعضهم : قوله : { إنا عرضنا } حقيقة العرض ، إلا أنه على التخيير بين أن تقبل ، وتحتمل( {[16863]} ) ، وتفي بذلك ، فيكون لها الثواب ، أو لا تفي ، فيكون لها العقاب في الآخرة ، وبين ألا تحتمل( {[16864]} ) ، ولا تقبل ، فتكون كسائر الموات تفنى بفناء الدنيا ، ولا ثواب لها في الآخرة ، وإلا لم يحتمل أن يعرض عليهن ما ذكر عرض لزوم وإيجاب .
ثم بين [ أنهن أبين ذلك ، وأشفقن ]( {[16865]} ) منها ، وقد وصفهن الله بالطاعة له والخضوع في غير آية( {[16866]} ) من القرآن حين قال : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] وقال : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } الآية [ الحشر : 21 ] وقال في آية [ أخرى ]( {[16867]} ) : { وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير } [ الأنبياء : 79 ] ونحوه .
ولكن إن كان على حقيقة العرض فهو على التخيير الذي ذكرنا .
[ وقوله تعالى ]( {[16868]} ) { وحملها الإنسان إنه } فكان له الثواب إن قام بها ، وعليه العقاب ، إن لم يقم [ بها ]( {[16869]} ) /433-أ/ .
وقال بعضهم : قوله { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } أي عرض على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال [ الأمانة ]( {[16870]} ) فلم يحملوها ، إلا الإنسان منهم فإنه حملها { إنه كان ظلوما جهولا } قال الحسن : ظلوما لنفسه جهولا لأمر ربه .
وقال بعضهم : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها } أي أبين أن يعصين الله ، وأشفقن منه ، أي لم يعصوا قط { وحملها الإنسان } أي عصى الإنسان ، فيجعل الحمل كناية عن العصيان والوزر ؛ يقول لأنه ما ذكر في القرآن الحمل إلا في الوزر والخطايا كقوله : { ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } وقوله : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } [ العنكبوت : 12-13 ] وقوله : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } [ النحل : 25 ] وقوله : { ووضعنا عنك وزرك } { الذي أنقض ظهرك } [ الشرح : 2 و3 ] ونحوه كثير .
وقوله تعالى : { إنه كان ظلوما جهولا } إلى إي تأويل من هذه التأويلات التي ذكرنا صرف هذا إليه استقام ، والله أعلم .
عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]( {[16871]} ) قال : الأمانة العبادة . قال الله تعالى للسماوات والأرض والجبال : تأخذن العبادة بما فيها ؟ قلن : يا رب وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جزيتن ، وإن أسأتن عوقبتن { فأبين أن يحملنها وأشفقن منها } أي خفن ، وعرضها( {[16872]} ) على الإنسان ، فقبلها ، وهو قول الله لبني آدم : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } [ الأنفال : 27 ] .
أما خيانتهم الله ورسوله فمعصيتهما ، وأما خيانة الأمانة فتركهم ما افترض الله عليهم من العبادة .
وقتادة يقول : أما والله ما بهن معصيته . لكن قيل لهن : أتحملنها ؟ وتؤدين حقها ؟ قلن : لا نطيق ذلك . فقيل للإنسان ، وهو آدم . أتحملها . وتؤدي حقها ؟ قال : نعم { إنه كان ظلوما جهولا } عن حقها .
وفي حرف أبي [ بن كعب ]( {[16873]} ) وابن مسعود وحفصة { فأبين } أي فلم يطقنها .
وقال أبو معاذ : الإباء في كلام العرب على وجهين :
أحدهما : هذا ، وهو العجز ، والآخر [ ما قال فيه ، وهو ] قوله : { إلا إبليس أبى } [ البقرة : 34 ، . . . ] وعصى وترك الأمر .
والحسن يقول : عرضت الأمانة على السماوات وما ذكر ، فقيل لهن : أتأخذن الأمانة بما فيها ؟ قلن : يا رب وما فيها . قيل لهن : إن أحسنتن جزيتن ، وإن أسأتن عوقبتن . قلن : لا { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما } لنفسه { جهولا } بربه ، وهو مثل الأول .
وقال بعضهم : { كان ظلوما } لنفسه في ركوبه المعصية { جهولا } بعاقبة ما تحمل .
والوجه فيه ما ذكرنا( {[16874]} ) بدءا أنه لا تفسر الأمانة أنها ما هي ؟ وكيف كان ذلك العرض على ما ذكر من السماوات والأرض والجبال وإبائهن( {[16875]} ) وإشفاقهن ، والله أعلم ما أراد بذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.